كان الذهاب لمطار دبلن الدولي وكأنك لأول مرة تذهب إليه، لا تعلم ما سيواجهك، وما طبيعة الاحترازات المطلوبة؟.. كان المطار فارغاً تماماً على غير المعتاد، نحن السعوديين فقط موجودين وعدداً من مسؤولي السفارة.. إيرلنديون من مسؤولي المطار ينظرون إلينا وكأنهم يقولون لماذا هؤلاء؟ ماذا صنعت لهم دولتهم؟.. منذ أن صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله - بتسهيل عودة المواطنين الراغبين في العودة إلى أرض المملكة في شهر أبريل الماضي، ونحن ننتظر بشوق وفرح أن تطأ أقدامنا أرض الوطن مرة أخرى، حيث كنت في زيارة لابنتي التي تدرس الماجستير في دبلن بإيرلندا، وكنت أنوي البقاء معها لثلاثة أسابيع فقط، ولكن مع انتشار أخبار جائحة كورونا، توقف كل شيء، توقفت حركة الطائرات والقطارات، وتم تعليق الدراسة، وإغلاق المحلات التجارية ما عدا محلات المواد الغذائية والصيدليات، والتوصيل إلى المنزل. لم تكن تجربة البقاء بعمومها سيئة في دبلن، مع أن كل شيء تقريبا كان مغلقاً أسوة بغيرها من الدول الأخرى، ولكن سماع أخبار هذه الجائحة وتطوراتها، وسرعة انتقال العدوى، والتعليمات المتكررة بعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، وتطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي، إضافة إلى البعد المكاني، جعل الإنسان يعيش حالة قلق مستمر، قلق على مصيره ومصير ابنته فيما لو حدث - لا سمح الله - أي أمر يستلزم زيارة المستشفى، وقلق على أسرته البعيد عنها وإن كان التواصل يتم معهم بصفة يومية. ما خفف من هذا القلق، وبعث الطمأنينة في النفس، التوجيهات السامية من الدولة بتمكين جميع الراغبين في العودة وتوفير كافة المتطلبات الضرورية لهم حتى وصولهم إلى أرض الوطن، كانت البداية بتسجيل أسمائنا على المنصة الإلكترونية التي أطلقتها وزارة الخارجية لتسهيل عودة المواطنين والتي لم تستغرق سوى دقائق، وكانت المفاجأة أن اسم أيرلندا غير موجود ضمن خيارات الدول الموضوعة في النموذج الإلكتروني وعلينا اختيار أقرب مدينة لها، فاضطررت أن أطلب من ابني التواصل مع مركز الخدمة في وزارة الخارجية، وكان لسرعة تجاوبهم ومرونتهم في الرد على جميع الاستفسارات ما يبعث على الفخر والإعجاب، فطلبوا كتابة ملاحظة على طلب التسجيل للنظر فيه، وهكذا عاد الأمل مرة أخرى. بدأ يوم المغادرة.. كان الذهاب لمطار دبلن الدولي وكأنك لأول مرة تذهب إليه، لا تعلم ما سيواجهك، وما طبيعة الاحترازات المطلوبة؟..كان المطار فارغا تماما على غير المعتاد، نحن السعوديين فقط موجودين وعدداً من مسؤولي السفارة يرحبون بنا ويقدمون لنا الكمامات والقفازات مؤكدين على التباعد.. إيرلنديون من مسؤولي المطار ينظرون إلينا وكأنهم يقولون لماذا هؤلاء؟ ماذا صنعت لهم دولتهم؟ ونظرًا للفراغ الذي يشهده المطار فقد كانت مفاجأة حتى للصحافة الإيرلندية التي جاء عدد من المصورين منهم لتصوير هذا الحدث، وفعلا هو مصدر فخر لكل سعودي. بعد ركوب الطائرة وإذا بهدية صغيرة مقدمة من وزارة الصحة وهيئة الطيران المدني والخطوط السعودية تتضمن إرشادات السلامة في هذا الظرف الاستثنائي مع قناع الوجه ومعقم اليدين، لم تكن الرحلة عادية أبداً كانت مختلفة في كل شيء.. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.. الطائرة ستتأخر قليلا بسبب رغبة راكب في النزول من الطائرة تملكه الخوف من هذه الإجراءات الجديدة، حتى طريقة تقديم الخدمة كانت مختلفة وليس كما هو معتاد، الأكل مغلف ومعد مسبقاً وبعيد عن التواصل المباشر. استغرقت الرحلة ست ساعات ونصف وبعد الوصول إلى مطار الرياض، وإذا بمسؤولي وزارة الصحة والسياحة والجوازات يرحبون بنا وتسير الأمور بطريقة إنسيابية مريحة جداً.. حتى في ركوب حافلة التنقل كانت من وزارة التعليم، ورجال الأمن العام يتابعون حيث سارت معنا سيارة الشرطة إلى الفندق.. وفي الفندق تم الدخول إلى الغرفة مباشرة بإشراف ومتابعة مسؤولي وزارة السياحة. ما تم من هذه الجهود وبناءً على التوجيهات السامية رأيناه على أرض الواقع، فريق من جميع الجهات يتعاون بكل أريحية وتفاهم لمصلحة المواطن، وكل ذلك يأتي في إطار العديد من الخدمات والرعاية والعناية التي توليها الدولة للمواطن السعودي ولكل من يعيش على ثرى هذه الأرض المباركة، فالإنسان هو محور الاهتمام، وهو الركيزة الأهم لدى قيادة المملكة، وهو مقدم على كل شيء، لتؤكد أنها بلد الخير والعطاء في كل الظروف.. ولتقول لمواطنيها نحن معكم ونشعر بكم، ونهتم لشؤونكم سواء كنتم داخل الوطن أم خارجه. وليس هذا فحسب، بل إنها وفرت السكن والأكل للمنقطعين من المواطنين لأي أسباب، وشاهدنا وقرأنا الكثير من التعبيرات المؤكدة لهذه الإجراءات من كثير من أبناء الوطن الذين علقوا في الخارج، كما أنها شكلت لجنة مشتركة من وزارات الصحة والخارجية والسياحة وهيئة الطيران المدني والخطوط السعودية لتقديم كافة التسهيلات والرعاية اللازمة بما فيها تسيير الرحلات المباشرة إلى مدن لم تكن أصلا تصلها الخطوط السعودية سابقاً مثل مدينة دبلن بالرغم من توقف معظم مطارات العالم، كما وفرت الفحوص الطبية الشاملة، والسكن المجاني حتى يتم التأكد من سلامة الجميع، وأنهم لا يعانون من أي مشكلات صحية وخاصة ما له علاقة بفيروس كورونا. "شكراً لك يا وطني على ما تقدمه من رعاية وعناية لأبنائك"