جميلة تلك الرائحة التي تنبعث من باطن الأرض بعد هطول الغيث عليها، إنها رائحة جميعنا نتخيلها الآن، إلا أننا نستمتع بها المرة تلو الأخرى، وكأنها عبق الورد، بل كأنها المسك نفسه، ولكن ما نشمه في الحقيقة ليس إلا رائحة أصل الأرض وهو (التراب). هذه الرائحة تذكرنا بحكمة الله في خلقه وتهمس في آذاننا بدروس مهمة منها أن الحياة تتجدد، والفرص تتوالد، والأمل بريقه يلمع، والسواد يعقبه البياض، والطريق نهايته الوصول. ما أجملها من حكمة إلاهية تذكرنا المرة تلو الأخرى بأن كل شيء ممكن، وأن كل ميئوس منه قد يكون مُدركاً ومأمولاً، وأن كل بعيد سيكون قريباً، وهكذا. إن زحمة الحياة وتبعاتها، قد تصنع من الإنسان شيئاً أشبه بالكائن المنزوع العواطف أو المسلوب المشاعر - ربما - ، ولكن سرعان ما يرجع هذا الكائن إلى إنسان بكل ما فيه من مشاعر وعواطف وذكريات تبعثها رائحة الأرض بعد المطر ليسكن مع نفسه قليلاً ويتذكر كم هي رائعة هذه الحياة، وكم هو جميل الأمل، وكم هي الفرص التي تتجدد لكل أحد فينا، كل هذا وهو يستنشق عبيرالأرض وهي تخرج أجمل رائحة تكتنزها وكأنها تقول: مهلاً، فكما أنك يا إنسان تشعر أنك تعرفني وتعرف ماهيتي، إلا أنك تتفاجأ من أبسط ما أرسله لكم يا بني البشر، لكي تتفاءلوا وتجددوا عهدكم بأصلكم، وتتعاهدوا مشاعركم الجميلة التي تصلبت ونُهبت من حياتكم التي ابتعدت عن طبيعتها وارتباطها بأساسها وهي معدن الأرض الذي هو معجزة لكل بني البشر، كيف لا وهم مخلوقون منها وإليها يرجعون.