من باب الحفاظ على السياق، دعونا نرجع إلى الوراء قليلًا ونقول: أمّا قبل.. قبل جائحة فيروس كورونا المستجد، يوم كنا نعيش يومنا وكأننا في حالة سباق محموم، منذ أن ننطلق لمشاغلنا صباحًا، حتى وقت وضع رؤوسنا المحملة بضجيج اليوم ومخاوف (بُكرة)، والسواد الأعظم منا، بات يقوم بكل ما يقوم به بدون استشعار لتفاصيل النعم التي أَلِفَها، وتحولنا مع الأيام لآلات بشرية، فكل الأشياء تتشابه، حتى الشعور يتشابه، ونلاحظه في ردّنا المعتاد (اليوم زي أمس) إذا سئلنا عن أحوالنا، بل استفحل الأمر لدى البعض حتى ما عاد يدرك كم يمضي عليه من الوقت وهو مُلقى في غياهب الحياة. (أما الآن،،،) ونحن في ظل الأزمة الثقيلة، أو في ظل بيوتنا الدافئة، هل تغيرت نظرتنا للأمور؟ هل أمعنّا النظر في رفاهيتنا التي اعتدناها؟ أجزم أن أغلبكم أدرك الآن حجم الترف الروتيني الذي كان يتقلّب فيه، وبدأ يعترف بها داخل نفسه وأمام الناس شكرًا وحمدًا على الموجود الذي لم يلحظه من قبل، واستعد بعضكم للمستقبل بوضع خطط تحسين وتطوير جاهزة للتنفيذ بعد الأزمة. (أما بعد،،،) ماذا سيكون بعد؟ ماذا سيتغير بعد انقشاع هذه الظلمة؟ كم تغير منك، وكيف تغيّر؟، كم عادة حسنة اكتسبتها، وكم عادة قبيحة تركتها؟ المتوقع أن تُعيد في هذه الأيام ترتيب أولوياتك الحقيقية لا الوهمية، وأن يرتفع مستوى النضج لديك، فالتغيير الحقيقي يكون من الداخل وليس الخارج، هل ستخرج من هذا العزل الذهبي الذي أتاح لك فرصة للتغيير كما دخلته؟ أدعو الله أن تكون ممن استبصر نفسه وتغير للأفضل، وأن تتخلص من رداء الآلة البشرية حتى لا تسقط تارة أخرى في غياهب الحياة.