نسماتُ البحر الدافئة تختلج ذاكرتكَ نحو البعيد وتعود ثانيةً نحو الغروب، فعند منتصف العمر تُنبئك الطبيعة نحو المصيف الجميل، لا شيء يوقظ ذاكرتك إلا الذكريات الجميلة، فتنبئك عن سعادةٍ غائرة في شواطئ الحب، تستمد بوحها من ظلال القمر الذي ينير الحياة ويجعلها بهجةً، فكلما تراءى لك الجمال تذكر أنك إنسان مجد هذا الزمان المحيط فينا من كل جوانبه. فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يشعر بلذة الحياة وجمالها وبكل تجلياتِها وله الإدراك الكامل نحو الأزلية وربما يستبصر أسوار وأغوار الآخرين، ويعود ذلك السر على مدى ارتباطه الكوني والإنساني بما يراه من أمثاله، وأظن تجاربه هي العنصر الفعال للارتقاء بالعلم والمعرفة. هل غادرت انفعالكَ يا صديقي إلى مستقبلٍ زاهر يخرجك من كآبتكَ نحو ضفاف الحلم أو ربما شواطئ الأمل، لو خيرت أن تكون أو لا تكون سوف ينجيكَ الآخرون برؤيةٍ كنتَ تفكرُ فيها نحو الكمال الذي كنت تناشده. استشارة على مفترق الطرق سوف تشتت تفكيرك، ولكن اختر الرأي الذي تراه مناسباً لك وتجد فيه ضالتك وكن بصيراً على المدى البعيد تحقق هدفك المنشود. هكذا الدنيا وهكذا الأحلام لا تحصل عليها بسهولة ولا حتى بصعوبة، فقط ضع الميزان نصب عينك، وفكر وتأمل لمسات الطبيعة وانظر نحوها جيداً وفكر بتجلياتها، ستجد نفسكَ غائراً في أحضانِها، وربما يسحرك الليل بسكناته، لأنه هو الملهم لكثير من المبدعين والمكتشفين. هل تأملت إشراقة الشمس؛ هي نورٌ فوق نور تحت أشعتِها ترسلُ لكَ حروف الأمل تكتب لك صُبحاً جديداً ومن على مهجتها ترسم لك يوماً مختلفَ التكوين، لا يشبه أيامك الغابرة، سجلٌ جديد، ليس فيه عتمةٌ ولا تضليل، كل ما عليك الاستفادة مما مضى سواء أخطأت أو لم تخطئ، هذا شأن الذين يدركون ما فعلت أعمالهم ولهم عيونٌ يبصرون بها وقلوبٌ تدركها عقولهم. الاعتراف بالذنب هو الخصلة الوحيدة التي يتمتع بها الإنسان لو جحدها نزل من عليائهِ النوراني وهبط إلى مستوى الرذيلة. فالصفاء ليس بالنزاهة والإِباء، وإنما إدراك ما فعلته يمينك. فهذا هو الإنسان الحقيقي الذي يخرج بواطنه ليطهرها وفق النمط المتعارف عليه. فقط قف في منتصفٍ من عمركَ وفكر بما مضى وما سيكون مستقبلاً كل ما عليك وضع الفرضيات الجديدة التي استنبطتها من خلال تجاربك السابقة، وخذ نفساً عميقاً وأكمل المشوار.