فرضت جائحة كورونا ظروفا استثنائية هذا العام، وامتدت آثار الوباء من تباعد اجتماعي وعزل للمدن والأحياء وحظر للتجمعات لتلقي بظلالها على طقوس شهر رمضان المبارك، الذي سيمر دون أداء صلاة التراويح جماعة في المساجد، أو مد سفر موائد الرحمن، وستقتصر سفر الإفطار على أفراد المنزل دون تجمعات أسرية، كما أن الأنشطة الاجتماعية والترفيهية والتسويقية والرياضية تواجه بقوانين صارمة للحد من تفشي الوباء، ومع القيود المتشددة التي تفرضها الاحترازات والتدابير الوقائية تحل التقنية طوق نجاة لتفادي المخاطر، وبديلاً لكسر العزلة، وفي طليعة ذلك التطبيقات الهاتفية وبرامج مكالمات الفيديو التي ستزيد أعداد الجلوس حول موائد الإفطار وتبادل الأحاديث مع البقاء في المنازل، ويؤكد أساتذة التربية وعلم النفس أن كل أزمة ومحنة وراءها انفراج ومنحة، وأن العزل المنزلي فرصة سانحة يجب استثمارها وألاّ يهدر الوقت الثمين فيما لا فائدة منه. تعايش مع الأزمة وقال أستاذ التربية بالجامعة الإسلامية د. علي بن إبراهيم الزهراني: يمر الشهر المبارك على الأمة الإسلامية وبلادنا المباركة في ظرف استثنائي يتطلب التعايش معه، ومع هذه الأزمة سيكون "رمضان غير" كما يقال، باعتبار غياب المظاهر والممارسات في الأعوام السابقة مع الحجر المنزلي، وهنا يكمن التحدي بأن نقوي علاقتنا بالله تبارك وتعالى، وأن نستقبل الشهر الكريم بالفرح والسرور، ونستثمره خير استثمار، فلم يعد هناك ارتباطات اجتماعية أو أعمال تستأثر بأوقاتنا، فهذه فرصة سانحة للالتئام الأسر، والإقبال على كتاب الله عز وجل، وتعيين مصلى في المنزل تؤدى فيه الصلوات، ومنها التراويح والقيام، والازدياد من الطاعات والالتزام بالأذكار، واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى لرفع هذا البلاء، مشيراً إلى أن الجانب الإيجابي من الحجر أن الأوقات لم تعد تبدد كالسابق بما لا فائدة منه كارتياد الأسواق والمقاهي. التئام أسري وأضاف د. الزهراني: الحجر المنزلي فرصة لتعزيز أواصر المحبة وتوثيق العلاقات الأسرية، والإسهام في العمل المنزلي بدلاً من ترك جميع الأعمال على الأم والزوجة، والبحث عن بدائل وبرامج ترويحية وثقافية تقلص العكوف على الأجهزة الذكية، وتنظم الجدول اليومي، مع التقليل من السهر المبالغ فيه المؤدي لضياع الصلوات، والتسامح وغض الطرف عن بعض الإشكالات والأخطاء التي تطرأ، فالنفوس قد يكون فيها خوف وقلق وغير ذلك، والاستفادة من البرامج التقنية التي أنعم الله بها علينا لصلة الوالدين والإخوة والأصدقاء، ولتكن هناك اجتماعات رمضانية افتراضية يحدد لها وقت ضمن البرنامج اليومي لتجديد اللقاء وتبادل وجهات النظر والتواصي فيما ينفع الجميع، وهذه الأزمة فيها خير كبير والحمد لله لأفراد المجتمع ولبلادنا ولقيادتنا الواعدة التي أثبتت للعالم أنها رائدة المبادرات الإنسانية الحقيقية. اكتشاف الذات وتحدث أستاذ علم النفس بجامعة طيبة سابقاً د. حسن بن محمد ثاني قائلاً: رمضان هذا العام فرصة لاكتشاف الذات والقرب من المحيطين بنا أكثر، بل وفرصة للتأمل والقراءة الإبداعية، تعودنا مثلاً أن نستمع لتلاوة الأئمة في صلاة التراويح ولكن هل حاولنا أن نتلو بطريقة جديدة؟ أن نفهم ما نقرأ، أن نقرأ بطريقة إبداعية، أن نفسر ونستنتج، أن نقرأ بطريقة حوارية كأننا نحاور المؤلف بدلاً من القراءة السلبية التي هي مجرد استقبال لما يقوله الكاتب، يفترض أن نكون نحن المؤلفين، ونطرح التساؤلات العميقة والنقدية، وأن نقرأ في شتى الفنون الدينية والثقافية، إضافة للاستفادة من الجو الأسري في الحوار والاستماع لأبنائنا. انفتاح على العالم وأضاف: مع وجود وسائل التقنية والإنترنت والقنوات الفضائية لم يعد هناك عزلة اجتماعية فالإنسان منفتح على العالم، فضلاً عن التطبيقات على الهواتف الذكية التي يسرت التواصل المباشر بالصوت والصورة، وهذا يؤكد تلاشي مفهوم العزلة، وعلى سبيل المثال أنا أتحدث إليك الآن من بريطانيا ولم يمنعني التباعد المادي من التواصل والحوار معك، وكأننا لسنا في قارتين وتفصلنا آلاف الكيلومترات، وحول الخوف من تداعيات الجائحة ذكر أنه ليس هناك مبرر للخوف المرضي مع الالتزام بوسائل الحماية البسيطة والفعالة في آن واحد، وفي مقدمتها البعد عن الزيارات، الحفاظ على النظافة، فالوقاية خير من العلاج، والصين تمكنت من السيطرة على الوباء بالتقيد بالإرشادات الصحية، ولكن الاستسهال والخروج من المنزل من غير ضرورة قد يكون سبباً في نقل العدوى وإلحاق الضرر بالأسر لا قدر الله. د. علي الزهراني مع وجود التقنية لم يعد هناك عزلة اجتماعية