قل لي من مرآتك أقل لك من أنت.. حين نؤمن بالمقادير فإنها لن تؤلمنا.. مؤكد أن السير خلف السرابات هو احتراق لذواتنا اللاهثة.. ويبدو أن التوقف يتعب للركض.. والركض يرهق التوقف.. فنحتار لنختار ما يلفت الانتباه، إصرارنا الواعي أحيانا على خوض أرض غير ممهدة من قبل.. ومخالفة الواقع.. مع أنا الحياة تسوقنا بتدبير الله - عز وجل - للخوض في كل مناحيها، فنقابل أناسا مختلفين، وبشرا مميزين، وخلقا متشابهين وآخرين. والثابت حولنا أننا لا ننظر إلى داخلنا بصدق من هنا نحتاج شيئا مهما يجعلنا نعيد توازن أنفسنا وإعادة صياغة ذواتنا، قد يكون في دواخلنا نسمع الصخور وهي تتكلم، وتصرخ، وتقيم حوارا كرموز تستحث مناطق ما في خيالنا موجودة في عمق كل واحد منا، وهي في كل الأحوال محاولة لأن نصرخ بصوت السكوت. أحيانا نفتح نافذة من زمن الوقوف أمام ذواتنا، وفي كل حين نرى بوضوح أكثر فتكون الصورة التي قد نراها في قمة وضوحها وتكون صورتك أنت أو هو، نحن نخاف أن نرى أنفسنا، أو نواجه رؤيتها، لكنه جميل أن نكتشف أنفسنا من خلال مرآة الآخرين، فقد تجد نفسك منفتحا في زمن انغلاق، أو منغلقا في زمن انفتاح، قد تكون معزولا في الزحام ومنطويا في زاوية غريبة، أو في حالة انهزام من دون معركة، وحتى نرى جيدا لا بد من مسح وتنظيف وتلميع المرآة حتى لا تعيق الشوائب امتداد البصر ولا تختلط بقايا الأغبرة بالنظر. كم منا يحتاج للوقوف أمام المرآة وخلف روحه ليكتشف نفسه قبل أن يتعرضه الآخر بالكشف فيتعرف على ماهيته، وأخطائه، وأخلاقه، وسلوكه، وكلامه، ويصل إلى ماذا يريد وكيف يريد، ويدرك ماذا عمل وماذا يعمل؟ ويفهم الحقيقة قبل الخيال والصواب قبل الخطأ. مؤكد أن تلك المرآة ستقول له أشياء مختلفة في زمن وعالم مختلفين بعقلية مختلفة.. من منا جد في البحث عن المرآة المناسبة له ليتوصل إلى حقيقته.. كم من المرايا لا نعيرها انتباها إلا عند الزينة عندما تكشف لنا بعض عيوبنا الشكلية وكم من المرايا نذهب إليها ونقصدها لنصلح من أشكالنا وملامحنا ونعدل في زينتنا، وكم من المرايا نحملها في حقائبنا وفي حاجياتنا لكي نتمعن فيها صورنا ونعدل ما نستطيع تعديله من شكليات وملامح نقية زائلة. حقيقة إن من الضرورة أن نبدل مفاتيح المعرفة بذواتنا بمفاتيح جديدة نقية، راقية، دقيقة، صادقة، صريحة.. لا بد أن نصنع مكونات مرآتنا الداخلية من سمات إيماننا، ومبادئ ديننا، ونضج قلوبنا، وحركة ضمائرنا، وأنفسنا المطمئنة، وذواتنا الساكنة، وأعصابنا الهادئة، فلا نغضب أو نعتب أونتضايق ونتفهم أن الناس المخلصين الناصحين لنا هم المرايا الحقيقية ولنحمل تلك المرآة على معالي عقولنا، وفي ساحة بصيرتنا، ونعلقها على جدران أفئدتنا. يبقى القول: بلا مرآة سنلتزم الأنماط التي أسست لها شخصياتنا المائلة، وستحبسنا الأنا ولن نقدم جديدا، ولن نتقدم فاحرصوا على اختيار مراياكم وتنقيتها من الشوائب لتتعرفوا على الكثير عنكم، وكونوا مرايا صدق ومحبة لغيركم يكونوا مرايا لكم.