يتاسبق مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي للوصول للشهرة وحصد أكبر عدد متابعين، فهم يخلقون أوهاماً عن أنفسهم بأنهم أفهم الناس على هذه الكرة الأرضية. الفاشينستات لديهم طريقة مبتكرة في إغواء الجماهير بما يقدمونه من محتوى سطحي يصل في بعض الأحيان إلى السذاجة. عندما كنا نشاهد فناني الزمن الجميل ننبهر بروعة وبراعة أدائهم التي لم يستطع أي من نجوم اليوم الوصول إلى مستوى إبداعهم. سحرتنا أناقة وجمال سعاد حسني فكانت تعد أيقونة الموضة المصرية والعربية، وكان جمهور سندريلا الشاشة العربية يقلدونها في أزيائها، فأمنية كل امرأة أن تجاري أناقتها. حياة الفنان كانت غامضة وجمهور كان يريد أن يحل شفرة محبوبه المفضل. في عصرنا الحالي تجد المشاهير ينشرون كل تفاصيل حياتهم عبر عدسة الكاميرا الصغيرة، وكأن الخصوصية اختفت من الوجدان. قبل أشهر قليلة، ثار الشارع الخليجي غضباً على إثر خبر وفاة عروس في ليلة زفافها، بسبب استهلاك الشابة الكويتية لحبوب التخسيس كانت قد روجت لها إحدى الفاشينيستات على منصات السوشيال ميديا. رغم أن العقاقير مرخصة من قبل وزارة الصحة الكويتية، ويباع في الصيدليات كما صرحت الفاشينيستات، وأضافت أنها هي نفسه تتناول الحبوب منذ أربعة شهور. المشكلة لا تكمن في الفاشينستات بل في متابعيهم الذين يصدقون كل أوهامهم التي يروجون لها، فهم يستغلون سذاجة وغباء وجهل جمهورهم بالهالة التي صوروها لأنفسهم، وليسوقوا لمنتجاتهم من عطور وعقاقير وغيرها ليقبضوا مبلغاً محترماً ليجمعوا بذلك ثروة هائلة. بينما يقع متابعوهم في فخهم فالبعض يخسر من مصروفه الشهري، والبعض الآخر ينتهي به في المستشفى ويدفع الثمن هؤلاء المتابعين صحتهم. عندما كنا صغاراً كانت أمهاتنا تحذرنا من أن نأخذ حبوباً من أي شخص مجهول الهوية، فيا ترى أن الأهل الذين من المفترض أن يكونوا على دراية بما يفعل أبناؤهم على صفحات التواصل الاجتماعي؟ لماذا يصدق هؤلاء المتابعين كلام المشاهير؟ ألم يهب لنا الله عقلاً كي نفرق به بين الخطأ والصواب؟ ما مؤهلات هؤلاء الفاشينستات لتقتنعوا بكلامهن؟ من هم لينصحوك بدواء أو علاج من دون استشارة أو متابعة طبيب؟ ألا تخطر على بالكم هذه الأسئلة قبل الإنجرار وراء استخفاف واحتيال الفاشينيستات وبالمقابل هي تسخر منكم وتبيعكم الوهم أو المرض أو الموت أحياناً؟ اختلطت الأوهام على المتابعين وأصبحوا يشترون كل ما يروج له المشاهير، دون التفكير فما إذا كانت هذه المنتجات صالحة للاستخدام. هناك مقولة شهيرة تقول لا تجعلوا من الحمقى مشاهير، وهذا ينطبق على جماهير التواصل الاجتماعي فهم الذين يصنعون من الفاشنيستات نجوماً، بمتابعتهم وترويج أوهامهم عن العطور والمكملات الغذائية. تتعجب من البعض الذي ينتقد هؤلاء المشاهير وهو في نفس الوقت واحد من جمهورهم. تفاهة وسطحية محتوى الفاشينيستات ما هي إلا مرآة لمتابعين يعشقون المحتوى السطحي والمهايط.. أي الكلام الذي لا ينتج عملاً. في العصر الذهبي لأدسون، كانت الصحف تنشر أسبوعياً أو شهريهاً آخر اختراعاته، وبسبب شدة إعجابهم به لقد كادوا يصدقون أن مخترع المصباح قادر على اختراع أي شيء! فقام صحفي في صحيفة النيويورك دايلي جراف باختبار هذه الفرضية، حيث نشر في أبريل 1878م خبراً بعنوان "مخترع الغذاء" لتسليط الضوء على أحدث اختراعات أديسون. كتب الصحفي بأن أديسون يمكنه إيجاد الغذاء من الهواء والماء والتربة فقط! فطار القراء فرحاً بهذا الخبر وقالوا عنه إنه سيطعم البشرية جمعاء، صدق الجميع الخبر وتناقلت وسائل إعلام أخرى هذا الخبر، ووصفته بالاختراع الخارق. لكن الفرحة ما تمت لأن قائد أحد القطارات نبه الصحفي كاتب الخبر بأن ما يدعيه من خوارق أديسون "مجرد حلم"، أديسون تلقى الخبر عن المقال كنكتة وبدهشة كبيرة؛ قائلاً بأنها "الخدعة الأمكر في حياته". صدق من قال: إن الشهرة تجذب المجانين!