تخيلوا هذا المشهد: كاميرا الجوال مسلطة على طفل ينام على سريره وبكل براءة، بينما صوت والدته المتعمدة تصويره في هذا الوضع يقهقه، وقد كتبت على الشاشة التعليق التالي: «مدري نايم هالولد أو غايب عن الوعي هههههه». من خلال هذا المشهد المقزز لأم لا تدرك مسؤليتها تجاه طفلها البريء أقول بكل صراحة: نحن في مواجهة أزمة حقيقية، هي الصدمة القوية التي أحدثها برنامج «السناب شات» في حياة البعض، ممن لم تتراكم في دواخلهم قدرة على مقاومة سحر الجديد المبهر والمدهش، أو على الأقل التعامل معه بشيء من التوازن، فاندفعوا اندفاع المتهور الذي ضيع بوصلة العقلانية، فصار من المتوقع أن نرى في حسابات هذا البرنامج بالتحديد ما لا يصدقه عقل ولا يقبله فهم، بحيث إن جاذبية الشهرة ودهشتها دفعت بالمفلسين إلى تصوير أي شيء وكل شيء وربما أتفه شيء بقصد الوصول لأكبر عدد ممكن من (الفانزات) بحسب لغة هذا المجال، وهم الجمهور المتابع المشجع. فما الذي حدث بالضبط لهؤلاء المهووسين بالشهرة، المصدومين بقناة تواصل سهلة مع الآخرين، بل وغير مكلفة بحيث تصبح لديه قناة إعلامية يديرها هو ويتحكم فيها هو ويقرر ما يُشر فيها هو ولا غير، فكان الحرص كبيرا لجعل المادة المنشورة مدهشة ولافتة ومستمرة حتى يبقى الجمهور متواصلا مع حساب هذا الشخص أو ذاك، وأن لا (يسحب عليك) بحسب لغة مشاهير السناب، ومعنى أن (يسحب عليك) يلغي حسابك ويهرب إلى شهير آخر من مشاهير هذا البرنامج، هذا الرهان الصعب جعلهم يفعلون أي شيء؛ لبث مادة مختلفة، لكن ما حدث هو المرارة بعينها، فاتجه بعض المفلسين إلى أطفالهم، فاتخذوهم مادة تبث بشكل يومي، حد تحويل هؤلاء الأطفال لعبة يعبثون بها أمام مرأى العالم بأسره، ودون أي ضمير. بكل أسف أقول: ستشهد في بعض حسابات «السناب شات» أطفالا يرقصون أو يبكون بلا حول لهم ولا قوة، فذنبهم أن والدهم أو والدتهم يريدون الشهرة على حسابهم، فصاروا ضحية جهلهم، حتى أن بعض هذه الحسابات منذ أن تفتح الكاميرا صباحا حتى تغلقها مساء وهي موجهة إلى حياة هذا الطفل الخاصة في جميع حالاتها، ولا أظن أن أبوتنا أو أمومتنا تمنحنا شرعية أن ننتهك حقوق الطفل بتحويل حياتهم مادة يضحك عليها المتابعون أو نهدر خصوصيتها لهم، فالأمر مقزز حد مطالبتنا بمساءلة كل من يجعل من الأطفال الأبرياء مادة لحماقاته وسذاجته وقلة حيله الإبداعية.