تمر الدول آحادا وجماعات بمنعطفات في غاية القسوة والعنف والتعقيدات، لاتكاد تجد دولة ذات صدى دولي، وقوة اقتصادية وثقافية إلا ولها من العقبات والتحديات والانكسارات والهزائم نصيب.. على سبيل المثال وليس الحصر الولاياتالمتحدة الأميركية، مرت بأحداث غاية في القسوة، كالحرب العالمية الثانية، الاعتداء الياباني الذي أدخلها المعمعمة التي استمرت لسنوات، ثم حرب فيتنام التي استمرت طوال 19 عاما، والحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وأزمة صواريخ كوبا، وفضيحة ووترغيت، وكارثة الكساد العالمي، ولو عدنا للصفحات التي ملئت بها الكتب والتقارير آنذاك، والتنبؤات، والتوقعات، لوجدنا جلّها كانت تتكلم عن نهاية الدور الأميركي، بل بعضها كان يتوقع السقوط الذي لا نهضة منه، حتى الذين كانوا يراقبون الشيوعية والسوفييت، كانوا يتوقعون أن نهاية روسيا حتمية بعد حل الاتحاد السوفييتي.. وحتى الذين كانوا ينظرون لليابان ومأساتها التي حدثت مع نهاية الحرب العالمية الثانية .. والذين رأوا السقوط المدوي للفاشية الألمانية وتوقعوا أن ألمانيا لن تنهض بتاتًا، رغم أنها قبل عقدين من بداية الحرب العالمية الثانية خرجت خاسرة بمعاهدة فرساي التي كبلت أقدامها عن النهوض، إلا أنها عادت كالوحش متمثلة في المعسكر النازي المرعب الذي هدد أركان العالم.. يأتي السؤال ما سر العودة والنهوض بعد كل هذه النكسات؟ وما السبب الذي يجعل بعض المحللين لا يتوقعون انهيار اقتصاديات الدول المؤثرة؟ الجواب يكمن في أن هذه الاقتصادات تعتمد على شيء جوهري، لا تسقطه الأزمات، ولا التحديات، ولا النكبات، لأن هذا الجوهر يكمن في العنصر البشري، وليست الآلات والمصانع هي السر، بل العنصر البشري هو الذي يعود بعد كل هبوط مدوي في ثياب جديدة، وفي إصرار جديد.. هذا العنصر البشري أميركي أو ياباني أو ألماني مهما يكن، هو الذي يبتكر بعد كل سقوط طريقة للعودة والنهوض .. لذلك هذا العنصر لا يسقط بمجرد الصدمات، بل الشيء الذي قد يسقطه وهو من المحال بمكان إلا -بمشيئة الله- هو الفناء.