لقد أحدث فيروس كورونا لنا العديد من الأضرار الاقتصادية - كفقدان الوظائف وشلل الحكومات وارتفاع ديون بعض البلاد -، كما وأظهر لنا نقاط الضعف في النظام العالمي لاسيما في النظام الصحي، الأمر الذي جعل جُلّ الحكومات تفرض الكثير من الإجراءات الوقائية بما فيها العزل الصحي. يتحدث المختصون عن انكماش مالي ورُكود اقتصادي مُحتمل قد يؤثر على العديد من القطاعات الاقتصادية كما في أزمة 2008، وحتى مع ازدياد الطلب على النفط فسوف تكون العائدات الحكومية لدى الدول الريعية متدنية بسبب انخفاض سعر النفط الحالي، من الواضح قرب ولادة نظام عالمي جديد هو الآن في مرحلة المخاض، فهل أزف وقت التغيير؟ وكيف سيكون هذا النظام الجديد بعد هذه الأزمة؟ من المرجح أن تغيّر الأزمة موازين القوى العالمية، فقد تميل الدفة نحو الصين بشكل أكبر، خصوصاً بعد تعافيها النسبي من الأزمة، لقد أدرك الجميع بأن الصحة تأتي أولاً، ومما لا شك فيه أن الاستثمارات في القطاع الصحي ستزداد وتكون الأعلى نمواً بسبب ظهور الفجوات التي واجهها العالم أمام فيروس كورونا، سيتم كذلك توجيه المصانع نحو الأتمتة - أي التشغيل الآلي -، وليس هذا فقط من أجل توفير الطاقة، بل من أجل تقليص مُكث الموظف في المصنع وضمان استمرارية العمل من دون توقف في حال تعرض البلد مستقبلاً لأي وباء آخر؛ كي لا يتأثر الاقتصاد مرة أخرى، وهنا تبرز أهمية الصناعة الرابعة، قد تزول بسبب الأزمة بعض الوظائف وتنشأ مسارات ونماذج جديدة من الأعمال وسيزيد الاهتمام في قطاعات التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية والعمل عن بُعد - كعقد الاجتماعات عن بُعد بدلاً من السفر - وفي إقبال الحكومات على تقديم خدماتها - في المحاكم والجوازات وغيرهما - إلكترونياً، وفي تطوير الخدمات اللوجستية - فقد يرتفع الطلب على خدمة التوصيل -، مما سيدفع بالكثير من ثقافات المجتمع الحالية إلى التغيير، أخيراً لقد لاحظنا تعطيل المدارس في كثير من الدول حول العالم والتوجُّه نحو التعليم عن بُعد؛ سيزيد الإقبال على التعلّم عن بُعد، وسيكون جزءاً أساسياً من السياسة التعليمية، مما سيفتح الكثير من الآفاق أمام المجتمعات. دعونا نتباعد اليوم لنلتقي غداً في واقعٍ أجمل، حفظ الله بلادنا وحماها من كل مكروه، وأدام علينا نعمة الأمن والإيمان.