"هناك كتاب يكتبون لأسباب هشة يبحثون من ورائها عن الشهرة والمادة، ويكتبون للتسلية، أنهم لا يقاومون غرور رؤية أسمائهم بأحرف بارزة مطبوعة، لمجرد الهروب أو اللعب". (إرنستو سباتو) *** تأتي كتابة القراءة تالية للانتهاء من قراءة كتاب أو بحث أو مقال وغير ذلك مما يندرج تحت مسمى كتابة، ويكون الغرض منها إبداء رأي، أو أنها تأتت من خلال المتابعة القرائية للمنتج، تحمل الإيجابية أو السلبية وقد تكون بينهما، فما دام الكتاب مطبوعاً، أو المقال منشوراً فمن حق من له رأي فيه يريد أن يعلنه الإقدام ونشر ما يعكس وجهة نظره، وهذا أمر مألوف ومتبع. النقد عرفاً هو التقويم؛ وهو يعني أن تعمد إلى النظر إلى العمل المراد الحديث عنه بتجرد وحياد، بحيث تقول رأيك بصراحة حول الشيء ذاته لا صاحبه. وتجسد الإيجابيات وتحددها في هذا العمل، ثم تحدد السلبيات وتضعها أمامك مستعملاً ما يشبه الميزان الذي تقيس به المراد والهدف من هذا العمل، وكيف يكون مكتملاً حسب منظورك الشخصي المستند على علمك ومعرفتك بما يجب أن يؤخذ به وما يمكن أن يستغنى عنه مما يجعل التكامل من نصيب العمل، فقد يُقبل ما قمت به ويمكن أن يكون محل الرفض من قبل صاحب العمل، المهم أنك قلت وعن دراية ما تراه صحيحاً، ومن هذا التوجه فإن النقد أو التقويم سيمتد على مساحة كبرى من الساحة التي عرض من خلالها العمل، وسيكون مكان النقاش من قبل المهتمين (مع/ضد) فإذا عملت المقاييس من المشاركين في الطرح بتجرد كذلك، نظر إلى توجهك بالتقدير والاستحسان. أما إذا كان ما ذهبت إليه في عملية التقويم هو حشد السلبيات، واتخذت موقف المواجه والمجابه والخصم فإن النظرة - حتى لو كانت صحيحة - فإنها في العرف العلمي ناقصة ومتحيزة لكونها أغفلت الجانب المضيء واتجهت إلى المعتم تحت تأثير الموقف الشخصي الذي دائماً ما ينبئ عن احتقان ذاتي تكوَّن من جراء اعتمال أنَويْ اعتمد على اعتمالات ترتكز على الشخصانية في النظرة إلى العموميات وتحتكرها تحت مظلة الذات المحتقنة بالمواقف الخاصة، ومن هنا تكون الهشاشة والتسطيح هما الأطر التي تتسع باتساع الانفعالات النفسية التي تدفع بمثل هذه الصور إلى أن تطل ببلادتها وتشوهاتها عبر قنوات هي أحق بأن تكون للمعاكس لملء المكان ليصار إلى جني الفائدة المرجوة من وجود المنابر التي تتيح للمعني أن يساهم في التنوير والاستنارة في عملية أخذ وعطاء مع مراعاة المثمر المفيد الذي يرجوه الجميع، ففي النقد توجيه وإعلام بالمنتج ومدى صلاحيته متى ما كان موجهاً إلى العمل لا إلى صاحبه واستعمل مقياس قول الحقيقة كاملة. في اعتقادي وكما سبق أن كتبت مؤكداً على "أن كماً من الأعمال المنشورة نثرية أو شعرية لو لم تكن الكتابة عنها ولفت النظر إليها لأصبحت في عداد المنسي والمفقود - مع أن بعضها - كان يستحق البقاء المستمر، ولكن عدم تسليط الأضواء عليها جعلها كذلك منتظرة اليوم الذي ربما يلتفت إليها قادر وينبشها من براثن النسيان مقدماً إياها للواقع - مع أن هذا قليل - ولكن المهم في الأمر أن النقد المقوم الموجه لمحاولة تصحيح المسار لابد أن يكون محل القبول لدى صاحب العمل، سواء كان معه أو العكس، وأن لا يرى ما يخالفه أو يبدي ملاحظات أن أجاف في حقه نظراً لتباين الآراء واختلاف الأذواق، ففي الأخذ والعطاء تزدهر حركة الفكر منتجة الوفير مما يحرك العقول" وما أكثر أصحاب العطاءات الفكرية والإبداعية الذين يتقبلون ما يقال عن نتاجاتهم بصدور رحبة، وأخذ ما يرون أنه يروق لهم مما يقال أو تركه؛ لأن ذلك يعني لهم أن ما يقدمونه محل تفاعل حركي في الحياة، وهذا ما يبغيه كل منتج يريد أن يضيف مساهماً في توسيع دائرة الكيان المعرفي حسب القدرة الكامنة في ذات صاحب كل عمل يقدمه للساحة الثقافية الواسعة والمتسعة أبداً.