في تفاعل مع ملف «الرياض» لملحقها الثقافي السبت الماضي بعنوان (هيئة المكتبات خارطة الطريق الثقافية) علّق المحدّث اللغوي الدكتور صالح بن سعد اللحيدان على هذا الطرح قائلاً: عُرضت عليَّ .. «الرياض» الغراء، من يوم السبت 4 /8/ 1441 ه ص11 ملحق (ثقافة اليوم) من العدد/ 18905 والذي تم فيه طرح (هيئة المكتبات خارطة الطريق الثقافية) وقد كان الموضوع الحق يقال حيوياً ذا بال يلفت النظر لا سيما ومثل هذا الموضوع، يُعد باباً للإضافات غير للإضافات غير المسبوقة في حقيقتها ولبها ولبابها مافي ذلك شك، فخلال القرون المتعاقبة كانت المكتبات العلمية ذات نزوع إلى التلاقي بين العلماء والأدباء والمؤرخين وصناع النقد فكان هذا يُضفي جديداً على المكتبات نفسها لأن تولد الرؤى والأفكار وتناول المستجدات إنما يكون من خلال النقاش داخل هذه المكتبات، فقد كان معاذ بن جبل وابن عباس وأبو هريرة الدوسي وأبو أيوب (خالد بن زيد) وعمر بن الخطاب وعبدالله بن أُنيس وأبو موسى الأشعري والبراء بن معرور والبراء بن مالك وأنس بن مالك وسلمة بن الأكوع ومحمود ومحمد الأنصاريان ومعهم ثلة منعم من المهاجرين والأنصار) يجتمعون بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتدارسون الآثار وسياسة النص وما يدل عليه من المستجدات في الفتيا والقضاء والعهود والمواثيق والإدارة والاقتصاد والعلاقات العامة، وقد كانوا يجتهدون في المسائل العلمية من خلال تدبر النص وفهم المراد منه ويتداولون ماجد وورد عنه - صلى الله عليه وسلم- فكان يُقرهم أحياناً ويصححُ لهم ما هم بحاجة إلى تصحيحه لا سيما (قضايا القضاء والنوازل المستجدة) فهم من خلال هذا الاجتماع العلمي رووا وجددوا ونظّروا (بتشديد الظاء) سياسة الحياة، فلولا فضل الله تعالى ثم هذا اللقاء العلمي في حيز المسجد ورواية ونقاش وطرح الرواية والدراسة لما جاء البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأبو داوود والنسائي وابن حنبل وعبدالرزاق وعبد بن حميد ولما صنف وابن هشام وابن إسحاق وابن كثير وابن خلدون خاصة (المقدمة) وابن قتيبة والذهبي وابن برهان الدين أقول لما جاء وصنف البخاري وسواه شيئاً وكل هذا دال على أن المكتبات منذ أقدم العهود لها دور فعال في تفعيل وتحريك العقل صوب القفزات النوعية، وكما قالت «الرياض»: (لا يمكن إغفال القيمة المعرفية والثقافية للكتاب إلى إلخ ...ص11 من (ثقافة اليوم) وهذا وجيه لأن الكتاب خلاصة ورؤية وبذل واجتهاد لصاحبه بحسب عقليته واستقلال فكره ونظره واجتهاده والمكتبات إذا نظرناها من زاوية التاريخ الإنساني نجد أنها دون ريب أساس للعلم وجمعه وبذل الرأي الحر الذي من خلاله سطعت شمس الرقي والوعي وقوة الاجتهاد من خلالها تترا، ولستُ أظن أحداً قرأ عن المكتبات خلال الزمن المتطاول إلا ووجد أنها أصل في بناء الدولة وتأسيس رقيها وسبقها لغيرها من اأجل ذلك فلعل مساهمتي تنصب في ما يلي: أولاً: الدوريات العلمية فلا بد أن تقام مثل هذه الدوريات فيها لكن دون تكرار أو ما يكون من طرح إنشائي مثلاً. ثانياً: تكوين لجنة موهوبة لمتابعة النقاشات والجدل وتمييز هذا وذاك ثالثاً: تحويل العقل واستنطاقه بعيداً عن العاطفة لوليد السبق الجيد غير المكرر. رابعاً: ضرورة وجود (هيئة عالية) لتحقيق صحة الآثار من ضعفها وما قد يكون من سطو ونقل مجرد دون توثيق. خامساً: أرى أنه لابد من فرد وتصنيف الكتب والرسائل والمخطوطات في المكتبات (ووزارة الثقافة معنية بهذا) فلا يتم الخلط بين الرأي والاجتهاد والإضافات النوعية وكذا بين الكتب السردية والكتب الجادة المركزة. سادساً: شحذ الهمة واستدعاء العقل بقوة وحكمة وروية خاصة فيما يدور حول الرواية والقصة فهناك كثير من (الروايات والقصة) إنما هي عبارة عن (خواطر وآراء ومذكرات) ليست من الرواية والقصة في شيء وهذا يحتاج إلى قوة تأمل وسعة تدبر، ومثل هذا النقد حتى يتم التفريق بين النقد حقيقة وبين الرأي ودراسة الأعمال، وكم بينتُ شيئاً ذا بال مكين في كتابي الجديد (حيثيات بقاء الدولة) ط1 ومثله كتاب الإمام ابن خلدون (المقدمة) فهو جدير بتدبر بواسع من عقل حر فطين ولعل تحريك مثل هذا الموضوع يبين أن المكتبات ذات طابع يجب أن يقوم بدوره على حقيقة التركيز الجاد المثمر بحسب ما يحتاجه العقل وما يتطلبه الواقع الراهن المتجدد في سياقات متعددة وسياقات ذات واجهات كلها تنشد الشبق حتى في مجال الذرة والموهبة الإدارية والنسق المتحد بين مؤاخاة العقل للواقع حتى يتجدد من ذلك مواكبة تجدد الرأي الحميد. صالح سعد اللحيدان