أحدثت التحولات الحضارية المهمة والمنظومات القيمية والفكرية التي طالت الإنسان في كل بقاع الأرض؛ وعلى امتداد حقبها؛ أحدثت تشكُّلاً لعالمنا الحديث أرْسَت من خلاله نظاماً له محدداته وأنساقه التي تُنظّم وتحكم علاقات دُوله، وبما يضمن سيادة وأمن كل دولة بعيداً عن أي تدخلات أو وصاية؛ طالما أن كل عنصر منتمٍ لهذه الأسرة الدولية مُلتزمٌ بواجباته وفروضه الأخلاقية الضامنة لحقوقه. في المقابل - ومع مثاليّة الصورة لهذا المجتمع والأسرة الدولية - إلاّ أنّ ثمة خطورة تتبدّى في كل مرّة؛ حيث نرى خروقات أو سلوكيات رعناء تسعى لتقويض تلك الأسس المنظمة للعلائق بين الدول سيما المتجاورة منها؛ فلا شيء أخطر على العالم بكافة تمثّلاته وأطيافه وأعراقه من الفكر الدوغمائي المتطرّف؛ هذا الفكر المتصلّب الذي يصرّ على البقاء خارج النسق الإنساني والحضاري؛ في حين أن دول العالم لا تفتأ تعيد مراجعة أهدافها، وتسعى جاهدة للحاق بركب الأمم المتطورة المنخرطة في الحداثة والعصرنة واستثمار المعرفة والعلوم، وإعادة موقعة منظومتها القيمية والفكرية التي تضع مفهوم التسامح والتعاون والتسالم مع الآخرين. مع الأسف في الوقت الذي هبّت فيه جميع الدول انطلاقاً من استشعارها لمخاطر الوباء المرعب الذي انقضّ بشراسة على الجميع، هبّت لحشد جهودها وطاقاتها لمواجهته والحفاظ على أرواح الملايين من البشر الذين يهددهم فتكه؛ جهود استثنائية كان للمملكة الدور المحوري الأبرز والأكثر استباقية ونجاعة؛ حيث انطلق من عاصمتها القرار الأقوى والأكثر مضاءً وفاعلية حين رأست القمة الاستثنائية افتراضياً، واجتمعت برؤساء مجموعة الدول العشرين لاتخاذ الحلول الكفيلة بحول الله بالقضاء على هذا الفيروس الخطير»كورونا»؛ وقد توّجت هذه القمة بكلمة خادم الحرمين الشريفين الضافية التي وضعت المحددات والرؤى والدعم الاستثنائي الذي يروم حفظ البشرية، وإنقاذها من هذا العدو الفتاك. في هذا الوقت الاستثنائي بأحداثه وظروفه الخاصة يأبى النظام الإيراني الرجعي إلا أن يؤكّد أنه خارج أي منظومة قيمية أو أخلاقية أو حتى إنسانية؛ فهو لم يثبت فشله فقط في إدارته لهذه الجائحة التي تفتك يومياً بالعديد من مواطنيه وتهدد البقية؛ بل إنه يواصل تخبّطه وهمجيته وبربريته بكل وضاعة وغباء سياسي؛ فلا هو بالنظام المتعاون مع العالم في أزماته، ولا هو بالذي يلوم الحياد ويكتفي بعجزه وسلبيته؛ بل إنه يحاول أن يصرف النظر عن هذا الفشل والخواء، وعدم الفاعلية عبر إثارة القلاقل وممارسة الإيذاء للمملكة التي تقدم للعالم دروساً كبرى في الإيثار والبذل والعطاء وخدمة الإنسانية عبر حشد الطاقات والمقدرات والأموال الكفيلة بالخروج بالعالم من غوائل الفيروس، الذي بات يشكّل الخطر الأبرز للبشرية جمعاء سيما وأنه لا علاج في الأفق يمكن التعويل عليه. وطالما أن العالم لم يعد خافياً عليه هذه البهلوانيات التي يمارسها النظام الإيراني الأرعن؛ فالمواجهة الحقيقية باتت الواجب الذي لا يقبل التأجيل من الأسرة الدولية؛ فالعالم الآن- أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية لمجابهة هذا النظام السافر في تحدّيه وشروره؛ وإلا فلا ننتظر عالماً متحضّراً خالياً من التهديد والقلاقل.