يمثل التضامن الاجتماعي أهم مفصل ترتكز عليه الصحة والأمن، وسبب انهيار المنظومة الصحية لبعض دول أوروبا وغيرها هو التأخر في التضامن من خلال التباعد الجسدي عبر الحجر الصحي المنزلي. وهذا السبب هو جوهر نجاح إدارة الأزمة في المملكة تعرّض العالم في مطلع الألفية الجديدة إلى سلسلة من هجمات الفيروسات، حيث بدأت بفيروس سارس (2003)، وفيروس أنفلونزا الخنازير (2009) المعروف بفيروس "H1N1"، وفيروس الإيبولا في غرب إفريقيا (2014)، وأخيراً فيروس كورونا الجديد المعروف بكوفيد 19 نسبة إلى سنة ظهوره (2019). وكانت جميع الفيروسات السابقة تحت السيطرة بسرعة، وضحاياها يقاسون بالمئات، في حين أن كورونا واسع الانتشار وعابر للحدود وفتك بعشرات الآلاف حسب موقع منظمة الصحة العالمية. وهذا ما جعل الدول تأخذ الأمر بجدية، وتعلن حالات الطوارئ، وتتبع إجراءات احترازية مشددة للحد من انتشاره، وصل بعضها إلى نزول الجيوش في الشوارع وحظر التجول وإغلاق حركة النقل، وتفكيك الشبكات الاجتماعية. علم اجتماع الأزمات يتفق أربعة من علماء الاجتماع المعاصرين ضمنياً على أن العالم اليوم بدأت تسوده الفوضى واللايقين، من خلال ارتفاع معدلات المهددات للبشرية بفعل ممارسات بعض الدول، مثل: إشعاع المفاعلات النووية، والتلوث، والفيروسات التي تفتك بالبشر. ترى عالمة الاجتماع ماري دوجلاس الخطر والمهددات البيئية من منظور ثقافي، وترى أن ما يراه شخص ما على أنه خطر قد ينظر إليه شخص آخر باللامبالاة المطلقة، وذلك يرجع إلى تباين درجات الوعي والقيم التي يؤمن بها كل شخص. ويعد عالم الاجتماع الألماني أولريخ بيك من أهم من نبّه إلى خطر هذا العالم المعولم على البشرية من خلال كتابه الشهير "مجتمع المخاطرة العالمي: بحثاً عن الأمان المفقود"، وأكد فيه أن الخطر يتسم بنفس سمات القوة المدمرة للحرب، كما أنه خطر ديموقراطي، يصيب الأغنياء والفقراء، وتصيب خطورته كافة المجالات، وأنه لم يعد شأناً داخلياً لدولة ما، ولا يمكن لأي دولة أن تسيطر عليه، ومن هنا تنشأ ديناميكية صراع جديدة لعدم التكافؤ الاجتماعي. طوّر عالم الاجتماع البريطاني أنتوني غدنز نظرية أولريخ بيك وعبر عن "مجتمع المخاطر" بمفهوم "العالم المنفلت" الذي تحيط به المخاطر، وبالتالي فهو يضيف أهمية الثقة، ويقصد بها: الأمل المعقود على مؤسسات "أنساق مجردة" لا نعرفها معرفة وثيقة، ولكنها تؤثر تأثيراً مباشراً في حياتنا، مثل المصانع التي تنتج غذاءنا، والأجهزة التي تنقي مياه الشرب، والبنوك التي تحفظ أموالنا، وينبغي أن نوسع مجالات الثقة في منظومة كبيرة من الهيئات التي تؤثر في حياتنا من أجل أن نواجه المخاطر المستقبلية. وأخيراً كتابات زيجمونت باومان عن "الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين" و"الخوف السائل" الذي أكد فيه أن الأفراد في زمن الحداثة صاروا أكثر حماية ولكنهم أقل أمناً ويعيشون في خوف دائم، بسبب التأخر الأخلاقي الناتج عن التقدم المادي. التحولات الاجتماعية ذكر إريك كليننبيرج، أستاذ علم الاجتماع الأميركي في صفحته على الإنترنت مقالة بعنوان "نحن بحاجة إلى التضامن الاجتماعي، وليس التباعد الاجتماعي: يحتاج الأميركيون إلى القيام بأكثر من مجرد تأمين سلامتهم". وهو عنوان اجتماعي يقصد به تأييد إجراءات إلغاء التجمعات في المدارس والعمل والأماكن العامة، وحجر الأحياء والمدن، ومع تأكيده على أهمية التباعد الاجتماعي يرى ضرورة تفعيل التضامن الاجتماعي في المجتمع الأميركي من خلال مساعدة من لا يستطيع توفير الأغذية والمواد المطهرة والصحية من الفقراء. يمثل التضامن الاجتماعي أهم مفصل ترتكز عليه الصحة والأمن، وسبب انهيار المنظومة الصحية لبعض دول أوروبا وغيرها هو التأخر في التضامن من خلال التباعد الجسدي عبر الحجر الصحي المنزلي. وهذا السبب هو جوهر نجاح إدارة الأزمة في المملكة، حيث اتبعت الدولة مستويين من التضامن الاجتماعي، هما: أهمية التباعد الجسدي من أجل التضامن، وهذا أحد شعارات وزارة الصحة، والثاني التضامن من أجل مساعدة الآخرين، وقد أكد الملك سلمان، حفظه الله، في كلمته للمواطنين على التضامن الاجتماعي، وقد تضامنت الدولة فعلاً مع القطاع الخاص والعام ومع المواطن والمقيم، وبقي أن يتحمل القطاع الخاص مسؤوليته تجاه المجتمع، ويتحمل أفراد المجتمع مسؤولياتهم تجاه جيرانهم ومعارفهم بالسؤال عنهم والاطمئنان الدائم عليهم وتفقد المحتاجين للسلع والخدمات منهم. غالباً لن تكون أزمة وباء كورونا الأخيرة؛ لأننا نعيش في مجتمع المخاطر، الذي يتسم بأن كوارث بلدان بعينها وأزماتها لا تكون حصرًا داخل البلد، بل تصبح عابرة للقارات، كما هي الحال مع الكوارث الطبيعية والبشرية، وبالتالي فنحن بحاجة إلى بناء منظومة من التضامن الاجتماعي من خلال السؤال عن الآخرين وتفقد أحوالهم وتقديم المساعدات دون انتظار طلبها.