لا حديث في العالم بأسره اليوم إلا عن الفيروس القاتل الذي وحّد شعوب العالم على اختلاف أديانهم وإديولوجياتهم ضد النكبة البيولوجية التي ألمت بالمعمورة، وهزمت المنظومة الصحية لأعتى الدول. ورغم تسجيل وفيات في الجزائر بسبب الفيروس الذي يتمدد، وإحصاء أكثر من 50 إصابة مؤكدة، اللافت استهانة الكثير من الجزائريين بفيروس كوفيد 19 والاستهانة بالإجراءات الاحترازية التي أقرتها السلطات العمومية الجزائرية للحد من جائحة الفيروس، فلا مسيرات الثلاثاء والجمعة توقفت، ولا العائلات التزمت بيوتها وألزمت أطفالها عدم الخروج للشارع بعد قرار غلق المدارس، في المقابل شهدت المحلات التجارية بمختلف المحافظاتالجزائرية طوابير طويلة لاقتناء المواد الغذائية، رغم تطمينات وزارة التجارة الجزائرية بتوفر مختلف كل السلع. ولأن الوضع خطير ولا يتحمل المغامرة ولا المجازفة، دخل رجال الإفتاء الفكر والأئمة على خطوط المواجهة الأمامية لتوعية الناس بخطر الوباء المدمر، حيث حرّمت لجنة الإفتاء بوزارة الشؤون الدينية الجزائرية على المصابين بالفيروس وعلى من به شك ارتياد الأماكن العامة مع ضرورة الاحتياط والأخذ بأسباب الوقاية والالتزام شرعاً بالإجراءات الاحترازية وعدم الاستهانة بها. ومنعت لجنة المشايخ كبار السن، والنساء والأطفال من ارتياد بيوت الله لحين يرفع الابتلاء، كما أوصت الأئمة بتخفيف الصلوات، وألا تتجاوز خطبة وصلاة الجمعة 10 دقائق، وفي وصايا مزيج بين المواعظ والإرشادات الطبية، شدد أئمة المساجد في الجزائر في خطبهم على حرمة اختلاط من شعر بأعراض فيروس كورونا أو من أصيب به بالتجمعات العامة، مستدلين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر و لا ضرار"، ودعا المنتدى العالمي للوسطية في الجزائر إلى لزوم أقصى درجات الحيطة والحذر، وتجميد الأنشطة العامة وغلق المرافق غير الضرورية والحد من تنقل الأشخاص وتجمعهم واحتكاك بعضهم ببعض. وقال رئيس المنتدى العالمي للوسطية الشيخ أبو جرة سلطاني في تصريح لجريدة "الرياض" إن الكثير من هيئات العالم الإسلامي بادرت إلى إصدار فتاوى تجيز الصلاة في الرحال وتنصح بالتقليل من الاختلاط والملامسة، وذهب آخرون إلى إجازة الاكتفاء برفع الأذان في مواقيت الصلاة الخمس وإقامة الجمعة بأقل عدد تصح به، وبأقصر وقت للدعاء، وإقامة الصلاة حفاظاً على استمرار شعائر الإسلام. ودعا الشيخ أبو جرة سلطاني علماء الأمة الإسلامية للمساهمة بصورة فعالة في حملة توعية واسعة ودائمة ومتدرجة، ترافق تطور هذا الوباء العالمي على ثلاثة مستويات صارت فريضة شرعية وواجباً وطنياً وخدمة إنسانية راقية، بالتوجيه والإرشاد والتوعية والحضور بكل وسيلة متاحة، خاصة وأن صوت الدين مؤثر في توجيه الرأي العام إلى الانضباط بما هو واجب، بتقديم أولويات الوقاية على كل ما سواها، وبالشجاعة في التعاون على فرض سياسة "الحجر الصحي" التي هي جزء من ديننا اقتداء بما صنع الفاروق عمر (رضي الله عنه) أيام طاعون عمواس. وجند الكثير من الأئمة ورجال الفكر في الجزائر حساباتهم الرسمية وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لتوعية الناس على أمل محاصرة الوباء الذي حجر على 100 مليون شخص عبر العالم وحصد آلاف الأرواح ويهدد بمآساة إنسانية كبرى تتناقلها الأجيال.