قال أستاذ القانون الدستوري المعاصر في جامعة إكسفورد د. راشد أبانمي: إن منظمة أوبك أسهمت طيلة سنوات في ضبط إيقاع أسعار النفط، كما تشاركت دول أخرى منتجة من خارجها في التأثير على الأسعار، بحيث إن عوامل التأثير حالياً بالأسواق تنبع من قطبين أساسيين: الأول أعضاء المنظمة، والآخر منتجو الخام من خارجها بزعامة روسيا، وبشكل عام فإن جميع الجهود التي سيتم بذلها من منتجي الخام (خارج أوبك) لن تجدي نفعاً في كبح جماح انخفاض الأسعار التي لا محالة تواجه حالياً سقوطاً حراً؛ ويرجع ذلك لسببين مهمين: الأول أزمة تفشي فيروس كورونا (كوفيد19) ما تسبب في تعطل معظم قطاعات الإنتاج الصناعية وقطاع النقل البحري والجوي والبري وبالتالي انخفاض حاد في الطلب على النفط، والآخر عدم الوصول إلى اتفاق بين دول "أوبك+"، والأكيد أن النفط سلعة استراتيجية وحلقة مهمة ضمن حلقات تشكل الاقتصاد الدولي، أي أن النفط يؤثر ويتأثر بالاقتصاد الدولي، في الوقت الحالي الاقتصاد الدولي ينزف بشكل متسارع، فحسب تقديرات بلومبيرغ خسر الاقتصاد العالمي خلال الربع الأول من العام الجاري بسبب فيروس كورونا أكثر من تريليونين وسبعمائة مليار دولار، وهذا رقم كبير قياساً بمدته الزمنية القصيرة، ولم يشهدها العالم منذ الأزمة المالية العام 2008م. وذكر أنه نتج عند عدم الاتفاق بين دول "أوبك+" خصوصاً الزعيمين المهمين السعودية من داخل المنظمة وروسيا من خارجها ردة فعل مفاجئة تهدف إلى الاستحواذ على الحصص في ظل عدم التوصل إلى اتفاق على التخفيض الذي تم اقتراحه والمقدّر بمليون ونصف المليون برميل يومياً، هذا الاندلاع في تنافس حصص الطلب العالمي في ظل التراجعات الاقتصادية تسبب في إحداث شبه انهيار لأسواق النفط يرافقه انخفاض حاد للأسعار وأسواق الأسهم العالمية وربما فاجأ الجميع، كما أن تراجع الطلب الذي سببه الفيروس والمقدّر ب3 ملايين برميل يومياً سرّع هبوط أسعار النفط بشكل كبير التي ليست في مصلحة منتجي الخام الذين يسجلّون تبايناً في تكلفة إنتاج برميل النفط، فالصخري الأميركي يبلغ متوسط تكلفته 49 دولاراً، والنفط الروسي نحو 42 دولاراً، أما المملكة فالتكلفة تتراوح بين 6 - 8 دولارات للبرميل، وبذلك قد تكون الخسائر كبيرة جداً في ظل التراجع بمؤشرات الاستهلاك العالمي، ولعل المستفيد بشكل مباشر من المستويات المنخفضة للأسعار هو الإدارة الأميركية؛ لقرب الانتخابات الرئاسية وما تشكله الأسعار المنخفضة في محطات الوقود من رضا الناخبين الأميركيين على إدارة ترمب وربما يكون داعماً له لإعادة انتخابه. بدوره قال د. محمد الشطي - خبير نفطي - في رد فعل على فيروس كورونا: اجتمع وزراء الطاقة "أوبك+" في 6 مارس الجاري والانطباع العام جاء مبنيناً على أساس عدم نجاح المؤتمر وبدء التنافس وعودة لأجواء 2016، فعلياً يعني ذلك إلغاء تمديد اتفاق خفض الإنتاج الحالية البالغة 2.1 مليون برميل يومياً التي تنتهي نهاية مارس الجاري، كذلك عدم قبول توصية التخفيض الإضافية 1.5 مليون برميل يومياً موزعةً بين أعضاء المنظمة 1 مليون برميل يومياً والآخرين غير الأعضاء 0.5 مليون برميل يومياً؛ استجابة لضعف الطلب الناجم عن فيروس كورونا حيث تشير التوقعات إلى انكماش وتراجع الطلب على النفط خلال العام الحالي، واستجابت الأسواق بسرعة لهذه التطورات بانخفاض حادٍ لسعر خام الإشارة برنت متجهاً لمتوسط يدور حول 34 دولاراً للبرميل في 9 مارس الجاري، بالإضافة إلى تراجع أسواق الأسهم والمؤشرات المالية والاقتصادية، وإذا ما استمر ضعف الأسعار لفترة أطول وهيكلة الأسعار عند "الكونتانغو" فإن هذا سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد الروسي، ويُحتمل أن يؤدي إلى تعطيل بعض الاستثمارات مع تسجيل انخفاضٍ بقطاع الاستكشاف والتنقيب والإنتاج إيراداتهم بالدولار. وستشهد الحكومة انخفاضاً في إيرادات الضرائب ومع ذلك فإن الروبل الأضعف قد يخفف من التأثير، كما ستنخفض قاعدة التكلفة المقومة بالروبل في روسيا بالدولار حيث ينخفض الروبل مقابل الدولار (13 % في الشهر الماضي وحده)، كما أنهم يعتقدون أن الاقتصاد الروسي قوي بما فيه الكفاية للحفاظ على انخفاض أسعار النفط، مع سياسة الاقتصاد الكلي في العام 2020 على أساس سعر النفط 42.40 دولاراً أميركياً، حيث سجل مصرف روسيا المركزي احتياطيات بقيمة 570 مليار دولارٍ أميركي في نهاية فبراير، ووفقًا لوزارة المالية الروسية فإن الصندوق الوطني للرعاية الاجتماعية في البلاد يبلغ 150.1 مليار دولار أميركي، كما تصر وزارة المالية على امتلاكها القدرة لمدة ست إلى عشر سنوات على التكيّف مع أسعار تدور حول 25 - 30 دولارًا للبرميل، إذا كان متوسط سعر خام برنت 35 دولارًا أميركيًا في اليوم خلال الفترة المتبقية من العام، فنحن نقدر أن الحكومة الروسية ستخسر حوالي 40 مليار دولار أميركي من عائدات ضريبة استخراج المعادن ورسوم تصدير النفط بالنسبة إلى افتراضنا للعام 2020 البالغ 59.90 دولارًا أميركيًا. وأوضح الشطي أن موسكو تراهن على قدرتها في التغلب على انخفاض الأسعار كذلك انخفاض الطلب، ومع وصول خط أنابيب شرق سيبيريا والمحيط الهادئ (ESPO) إلى طاقة تشغيلية كاملة تبلغ 1.6 مليون برميل يومياً ستراقب روسيا حالة الطلب في الصين، ويعتقد بعض المراقبين أن الاقتصاد الروسي قد يعاني أكثر من ذلك إذا ضعف النمو الاقتصادي العالمي أكثر من المتوقع واستمر الطلب على النفط في الانكماش بحدة أكبر، وذلك وسط تدابير احتواء فيروس كورونا وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، ويمكن لروسيا - مثل أوبك - أن تنتج بلا حدود لتبدأ الأسواق بمواجهة شبح الإنتاج غير المقيد بمجرد انتهاء صلاحية الاتفاقية الحالية نهاية مارس الجاري، ومع ذلك فإن واقع السوق قد يعيد "أوبك+" إلى طاولة المفاوضات في الربع الثاني من العام 2020 حيث إن ضعف الأسعار ضمن مستويات دون الأربعين دولاراً لن تكون في مصلحة أحد، وتوجد تجربة سابقة في العام 2016 حيث اضطرت الدول إلى تشكيل تحالف المنتجين والاتفاق على خفض الإنتاج، وكان لذلك الاتفاق الفضل في رفع أسعار النفط، ولكن التأثير كان في اتجاهين استفادة النفط الصخري الأميركي وخسارة المنتجين لأسواقهم مع استمرار خفض الإنتاج وتقلص آفاق تغير الأسواق وارتفاع الطلب على النفط، وأعلنت شركة أرامكو السعودية عن قدرتها الإنتاجية القصوى المستدامة عند 13 مليون برميل يومياً في شهر أبريل المقبل، الأمر الذي أحدث ارتباكاً في السوق وأصبحت رهن انطباعات اللاعبين، حيث اختلط على السوق الفهم أن السعودية تنوي إغراق الأسواق وهو غير صحيح، تبع ذلك تصريحات الوزير الروسي المتضمنة أن روسيا لم تغلق باب المفاوضات، ليأتي بعدها الرد من سمو وزير الطاقة السعودي الذي أوضح أن السوق حرة وعلى كل منتج الحفاظ على حصته السوقية. وأضاف الشطي: تعاني الأسواق انكماش الطلب وبالتالي فإن أي زيادة لا بد من تصريفها في مكان وسوق معينة، وفي الغالب سيكون ليس الطلب النهائي ولكن المخزون النفطي الاستراتيجي بالرغم من توجّه السعودية إلى خفض أسعارها لنفوطها في مختلف الوجهات وتبعتها في ذلك العراق، عموماً فإن مستويات المخزون الاستراتيجي عند مستويات عالية، عليه فإن مجال الزيادة محدود وليس مطلقاً كما أن الزيادة لن تستهدف الاستهلاك النهائي في ظل ضعف معدل التشغيل للمصافي والحاجة للنفط مع تأثر قطاع النقل الجوي والأرضي نتيجة فيروس كورونا، وبالرغم من كل التطورات والمؤشرات السلبية إلا أن الأسعار أظهرت تعافياً طفيفاً باتجاه 40 دولاراً للبرميل، فهو مقيدٌ بأيةِ أخبارٍ إيجابية خصوصاً تلك التي تتعلق بتطورات الفيروس عقب موجة انتشاره بالعالم وتقييد حركة الملاحة بشكل كبير، كما تتابع الأسواق النفطية تصريحات المنتجين كي تتأكد من المعروض ومساراته، وأن أي تواصل أو تفاهم سعودي روسي سيكون محط المتابعة. د. راشد أبانمي د. محمد الشطي