بعد نحو أسبوعين فقط، من زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، للمملكة العربية السعودية، كأول وجهة خارجية بعد اعتلائه سدة الحكم نهاية العام الماضي، تتواصل اللقاءات الثنائية المشتركة بين مسؤولي البلدين، للتشاور حول مختلف القضايا العربية والدولية ذات الاهتمام المشترك في مسعى حثيث لتجاوز مختلف العواصف السياسية والاقتصادية التي تهدد المنطقة العربية برمتها، ولحلحلة مختلف الأزمات وتجسيد التوافق في الرؤى بين البلدين، ويشكل اللقاء الذي جمع هذا الأسبوع سعادة سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الجزائر عبدالعزيز بن إبراهيم العميريني ومعالي وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والجالية الجزائري صبري بوقادوم بمقر وزارة الخارجية الجزائرية واحد من اللقاءات البينية التي استعرض فيها الطرفان، العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف الجوانب، كما تطرقا لعدد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، قصد إعطاء دفع جديد للتعاون الثنائي بين البلدين على الصعيدين السياسي والاقتصادي. ويرى الكثير من المتتبعين للشأن السياسي بالجزائر، أن العلاقات السعودية الجزائرية، عرفت دفعاً قوياً منذ وصول الرئيس عبدالمجيد تبون إلى القصر الرئاسي، وما الزيارة الأخيرة للرياض كأول وجهة خارجية له إلا ترجمان قوي على الإرادة القوية من الجانب الجزائري لإعادة إحياء وتفعيل محور الجزائرالرياض، للثقل الدبلوماسي للبلدين وعمق حضورهما في مختلف القضايا العربية، وكذا دورهما الجوهري في حلحلة الجمود الذي يطبع بعض العلاقات العربية - العربية المشتركة، ويؤكد في هذا السياق الأستاذ الجامعي والخبير في العلاقات السعودية الجزائرية البروفيسور بجامعة الجزائر محمد سي بشير، أن لقاء سفير خادم الحرمين الشريفين بوزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، كان منتظراً بعد التطورات الأخيرة في سوق النفط وأشار إلى أن التنسيق الكلي بين الدولتين بات حتمياً اليوم ، فالجزائر تحتاج إلى المملكة العربية السعودية مثلما تحتاج المملكة العربية السعودية لشقيقتها الجزائر لتوحيد المواقف في إطار منظمة "أوبك" لإعادة التوازن في أسعار النفط وحماية مصالحهما المشتركة في السوق الدولية. ويؤكد البروفيسور محمد سي بشير أنه بإمكان السعودية والجزائر الاستثمار في علاقاتهما الدبلوماسية أكثر مع القوى الدولية الكبرى، لإعادة الاستقرار والتوازن لأسعار النفط، لا سيما وأن الجميع يدرك أن أسعار البترول في الأسواق العالمية باتت اليوم تحت رحمة التنافس المحموم بين الولاياتالمتحدة الأميركية الذي يتنامى إنتاجها من الغاز الصخري يوماً بعد يوم، وروسيا التي تحاول الاستحواذ على سوق الطاقة الأوروبية، ويؤكد الباحث في الشؤون العربية محمد سي بشير على ضرورة تعزيز التنسيق بين السعودية والجزائر في مجال الطاقة أكثر، وهذا ما كان محل مشاورات حثيثة جمعت سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الجزائر عبدالعزيز بن إبراهيم العميريني مع وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب مؤخراً، كما بحث الطرفان فرص زيادة الاستثمار بين البلدين، لفتح آفاق جديدة للشراكة الثنائية، لا سيما وأن الجزائر تعول على الجانب السعودي لتعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة خارج قطاع الطاقة، وهذا ما ترجمته تصريحات وزير التجارة الجزائري كمال رزيق مؤخراً والذي عبر وبوضوح عن أمل الجزائر في إعادة الاستثمارات السعودية بالجزائر. وإلى جانب الملفات الاقتصادية المشتركة بين البلدين، هناك الكثير من الملفات السياسية التي هي محور تباحث دائم ومستمر بين الجانبين، وهذا ما ذهب إليه المحلل السياسي الجزائري والخبير في العلاقات الدولية الدكتور إسماعيل دبش في حديثه عن القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، وعلى رأس هذه الأولويات الأزمة الليبية التي تتعقد يوماً بعد يوم، فاللقاء الأخير بين سفير خادم الحرمين الشريفين ووزير الخارجية الجزائري جاء بعد أربعة أيام فقط من استقبال وزير الخارجية والتعاون الدولي الجزائري صبري بوقادوم لنظيره في الحكومة الليبية المؤقتة عبدالهادي الحويج، وكما هو معروف فحكومة الثني المناوئة لحكومة السراج الموالية لتركيا، ترفض التدخل العسكري التركي في ليبيا، كما ترفض استقدام عناصر مسلحة من سورية وغيرها لتأزيم الوضع الليبي أكثر، ما يهدد أمن الجزائر والمنطقة العربية برمتها، وهذا ما تدركه الجزائر والسعودية جيداً، فمواقف المملكة العربية السعودية واضحة وصريحة في رفض الإرهاب والتدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، وهذا ما يستدعي تنسيق الجهود أكثر بين البلدين، خاصة وأن تركيا التي تحاول تغيير الوضع في ليبيا لصالحها، فقدت كل حلفائها في المنطقة. وفي هذا الصدد يشير الدكتور إسماعيل دبش إلى أن للسعودية والجزائر ثقل دبلوماسي كبير في البيت العربي ولا يمكن تصور أي تسوية حقيقة في أزمات المنطقة، دون هاتين القوتين الإقليمتين لا سيما ومع التقارب الكبير في وجهات النظر بين الرياضوالجزائر في كل القضايا الإقليمية بما ذلك القضية الفلسطينية والأزمة السورية، ويرى الخبير في العلاقات الدولية أن تأجيل القمة العربية التي كانت مقررة في الجزائر نهاية الشهر الجاري بسبب وباء كورونا، سيساعد لا محالة في تجاوز بعض التفاصيل التي يمكن أن تنغص التناغم العربي، كما سيسمح بتحقيق أكبر قدر من التوافق في الموقف العربي المشترك وتجاوز العواصف المحدقة بالأمة العربية والإسلامية، ويشدد ذات المتحدث على أن العلاقات بين الجزائر والسعودية تعرف قفزة نوعية وغير مسبوقة، ستساهم لا محالة في توحيد الموقف العربي إزاء العديد من الملفات العربية والدولية المشتركة.