أعربت الشركات الروسية عن خيبة أملها علنًا وهي في حالة أشبه بالصدمة من موقف الحكومة الروسية تجاه عدم استمرار التعاون مع أوبك+ حيال تعميق اتفاق الخفض بأكثر من 1,7 مليون برميل في اليوم بالإضافة إلى خفض سعودي طوعي ب400 ألف برميل يوميًا، التي تنتهي آخر مارس الجاري. وشعرت شركات النفط الروسية بالصدمة والذهول من قرار الحكومة الرسمي الذي وصفته بغير العقلاني والمخيب للآمال في الوقت الذي كانت روسيا من أبرز المستفيدين من التعاون مع أوبك+، مما دفع المملكة العربية السعودية لخفض الأسعار تماشيًا مع وضع السوق وهي تسعى لزيادة الإنتاج للتعويض عن انخفاض الأسعار. وصرح الملياردير الروسي ليونيد فيدون، نائب الرئيس والمالك المشارك لشركة النفط الروسية "لوك أويل"، لوسائل الإعلام المحلية بقوله: "إنه قرار غير عقلاني"، متوقعًا أن تخسر بلاده ما بين 100 و150 مليون دولار يوميًا، نتيجة لهذا القرار العبثي. فيما لم يتمكن الملياردير الروسي من التعليق على الأسباب التي دفعت روسيا إلى مقاطعة التخفيض الإضافي، وقال: "إنني لم أزل تحت تأثير الصدمة"، موضحاً أن الزيادة في إنتاج شركات النفط الروسية لن تعوض عن الخسائر المتوقعة. من جهته قال مارسيل صالحوف مدير قسم الاقتصاد في معهد الطاقة والمالية بالكلية الروسية للاقتصاد: "لقد تحدثنا لمدة ثلاث سنوات حول الاتفاق المربح، ثم انسحبنا منه في لحظة الأزمة الحادة والصدمة من جانب الطلب، أنه لأمر غريب من الصعب أن نفهم ذلك"، وأعرب عن قناعته بأنه "في الوقت الحاضر لم يكن هناك سبب للانسحاب من الاتفاق". وحذر سيرجي رومانشوك، رئيس رابطة الأسواق المالية، من تداعيات الموقف الروسي خلال اجتماع أوبك+ بشأن سعر الروبل، مشيرا إلى أن "قواعد الميزانية" التي قدمت الدعم للروبل، حالت دون تعرضه لتقلبات حادة، وأن الأساس لهذا الدعم هو "إيرادات نفط إضافية"، وهي نتيجة الفرق بين السعر المعتمد في الميزانية الروسية 42 دولارًا للبرميل، والعلامة التجارية "أورالز"، والسعر في السوق العالمية، وبالنسبة للروبل لم يستبعد تراجعه حتى مستوى 70-75 روبل مقابل الدولار. وقوبل القرار الروسي بعدم الاستمرار في تحالف أوبك+ بمعارضة شديدة من قبل خبراء النفط الروسيين الذين شعروا بالاستياء لهذه السياسة التي لا تقدر مدى التزاماتها مع كبرى الدول المنتجة للنفط والتي يمكنهم عمل ما بوسعهم لاستعادة استقرار الأسواق بدون روسيا التي أصبحت غير موثوق بها ولا يمكن الاعتماد عليها في أي تحالفات قادمة والمتضرر الأكبر شركاتها العملاقة للنفط والغاز التي ترتبط بتحالفات مع كبرى شركات النفط في أوبك والتي أصبح موقفها مهزوزاً في الصفقات القادمة. وهذا الموقف الروسي السلبي الفردي من شأنه أن يعيق خطط الشركات الروسية للنفط والغاز التي تخوض مفاوضات لجذب كبرى شركات النفط العالمية وعلى رأسها شركة أرامكو السعودية لتحالفات في الغاز الروسي كأكبر شريك تستهدفه روسيا بصفتها أكبر منتج ومصدر مستقل للنفط الخام وأقوى شركة للطاقة المتكاملة في العالم والتي حظيت بدعوة شخصية من الزعيم الروسي للاستثمار في تكنولوجيا الغاز الطبيعي المسال الروسي. فيما من المرجح أن يتسبب التخاذل الروسي في زعزعة استثمارات مخططة بقيمة حوالي 10 مليارات دولار في مشاريع الطاقة المختلفة والتي أعلنها وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك والذي أكد بأن لدى المملكة وروسيا العديد من المشروعات الاستراتيجية الثنائية التي يخطط البلدين إطلاقها لمشروعات في الصناعات البتروكيميائية والغاز الطبيعي المسال ومراكز البحوث المشتركة في روسيا، مشيراً إلى إن المملكة العربية السعودية هي واحدة من أهم الشركاء الرئيسين لروسيا في الشرق الأوسط، في ظل الشراكة الروسية السعودية المتطورة بما في ذلك التعاون بين صندوق الاستثمار المباشر الروسي وصندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي استثمر حوالي ملياري دولار في مشاريع مشتركة. وأشارت مصادر روسية غاضبة بأن قرار عدم استمرار تعاون روسيا مع اوبك قد يكون خارج عن إرادة وزير الطاقة الروسي الذي أكد مراراً برغبة كبريات الشركات الروسية العملاقة للنفط والغاز ومنها "غازبروم"، و"نوفاتيك" و"ترانسنفت" للتحالف مع نظيراتها السعودية باهتمام متزايد. فيما أبدى صندوق الاستثمار المباشر الروسي عن تخوفه من ضياع اتفاقيات استراتيجية ذات أهمية بالغة مع شركائه في المملكة وبعض دول أوبك وأبرزها الاستثمار في مشروع "يامال2" للغاز في القطب الشمالي الروسي ومشروع "أركتيك للغاز الطبيعي المسال2" بقيادة شركة الغاز الروسية "نوفاتيك" والتحالف المرتقب بين شركة أرامكو مع شركة "غازبروم" أكبر شركات الغاز في روسيا لتطوير محفظة أعمال ضخمة ذات شأن بالتنقيب عن الغاز وإنتاجه والعمل على تحفيز ظهور موردين جديدين في السوق السعودية والأسواق الأخرى التي تعمل بها أرامكو، حيث أضحت الخطط الروسية هشة بعد التخاذل الروسي الذي اتضحت نواياه بالعمل على المصلحة الفردية دون الاكتراث بالمصلحة العامة التي تربط المنتجين بالمستهلكين والتجار. ولفت خبراء النفط الروس إلى ضعف الخلفية السياسية النفطية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي فيما يبدو أنه يتلاعب بمشاعر كبار مستثمري النفط الروسيين الذين وضعوا في أسوأ المواقف المحرجة التي حولت قوتهم الحقيقية إلى أضعف ما يكون من عدم الثقة في استثماراتها المشتركة مع كبار المنتجين في أوبك الذين تخلت عنهم روسيا وهم في أمس الحاجة لإعادة استقرار سوق الطاقة العالمي المتأثر بعمق من حرب الفيروس التاجي كورونا الذي شل الاقتصاد العالمي وزلزل كياناته.