مازالت الحرب العالمية ضد العدو المتناهي الصغر، فيروس كورونا، في أوجها. الصين القوة العظمى ومنبع المأساة تخوض صراعاً شرساً مع الزمن لمهادنة الوباء بعد أن أوقع خسائر موجعة في صفوفها. التداعيات كبيرة جداً ليس فقط على مستوى معاناة المرضى، وعدد الوفيات، فهذه مجرد رأس الجبل الجليدي. من سوء حظ العالم أن الأزمة بدأت في الصين، حيث إن الكثافة السكانية الأعلى في العالم، والعدد الهائل من المسافرين المغادرين والقادمين إليها جعل المرض يشتعل في العالم بشكل أسرع، على العكس من مرض إيبولا مثلاً الذي بدأ في أفريقيا، وبالتالي كان من الأسهل عزله والسيطرة على انتشاره. الأمر الآخر هو الضربة الكبيرة التي تلقاها الاقتصاد العالمي جراء هذا المرض، إذ شهدت البورصات العالمية خسائر حادة هي الأسوأ منذ عام 2008 بحسب صحيفة نيويورك تايمز. قطاعات كثيرة تأثرت من انتشار المرض، على رأسها القطاع السياحي، إذ من المتوقع أن يشهد القطاع ركوداً كبيراً في موسمه المقبل. ومن المنتظر أن يفقد كثير من العاملين في السياحة وظائفهم، حيث تسببت الأزمة بتراجع إجمالي لعائدات شركات الطيران في العالم، بمبلغ يقدر بين أربعة إلى خمسة مليارات دولار، وفق ما ذكرت المنظمة الدولية للطيران المدني. فيما تنعقد كل الآمال على تقلص دائرة الوباء قبل بداية موسم الصيف. ورغم أنه من المبكر الحديث عن الأخطاء التي أدت إلى تفاقم الوضع والدروس المستفادة من الكارثة، إلا أنه من الواضح أن ذاكرة العالم سريعة النسيان، وأن ما حدث مع الأوبئة السابقة كإيبولا وإنفلونزا الخنازير وسارس الذي قتل أكثر من 8000 شخص حول العالم وغيرها لم يجعلنا أكثر استعداداً للتعامل مع الأوبئة، ويعد الخطأ الأول الذي ارتكبه العالم في حربه على الفيروس هو تجاهل التحذيرات التي أطلقها الدكتور لي وين ليانغ من المرض الذي لاحظه على عدد من مرضاه، وكان الطبيب الصيني يعتقد أن المرض الجديد هو نسخة معدلة من فيروس سارس الذي كان ضرب الصين قبل سنوات. إلا أن بلاده تجاهلت تحذيراته وأخضعته للتحقيق بتهمة بث الشائعات. الخطأ الآخر هو تلكؤ الكثير من الدول في التعامل مع المناطق الموبوءة، والتأخر في إيقاف الرحلات القادمة منها، وهو ما أدى إلى انتشار المرض في أنحاء العالم. وأخيراً، رغم قتامة الصورة والفزع الذي يعيشه العالم حالياً، إلا أن هنالك الكثير من الأخبار المبشرة، حيث تخوض كبرى شركات الأدوية حول العالم منافسة شرسة للفوز باللقاح المناسب للمرض، ويشير خبير الأوبئة الصيني تشونغ نانشان، والذي اشتهر بمكافحة وباء "سارس" إلى أن المعطيات تبشر بأن نهاية الوباء باتت قريبة، وقد تكون في نهاية شهر أبريل المقبل، كما أن تجارب العالم مع الأوبئة السابقة تشير إلى أن العقل البشري ينتصر في النهاية التي نتمنى أن تكون قربية جداً.