قال أستاذ القانون الدستوري المعاصر في جامعة إكسفورد الدكتور راشد أبانمي في السابق كانت توقعات أسعار النفط تحددها مجموعة من العوامل والتأثيرات وذلك في المدى المتوسط أو البعيد إلا في حالة نزاع مسلح حول منابع النفط فيؤثر بشكل فوري على الأسعار وهو أمر مستثنى والمستثنى لا حكم له، وفي الوقت الحاضر وفي خلال أسبوعٍ واحد فقط واصلت أسعار النفط هبوطاً بأكثر من 15 %، فالتوقعات بانخفاض وارتفاع أسعار النفط تتركز بشكل آني على التقارير التي تركز على التطورات المتسارعة فيما يخصّ فايروس كورونا، وبالتحديد التي تصل من معقل الصناعة العالمية أي من جمهورية الصين الشعبية ومراحل انتشاره في أنحاء العالم بل وما يصاحب ذلك من هلع بين الدول، وربما التساؤل الحالي هو حجم الاختلاف بين الفايروس الحالي وما سبقه كالسارس والأيبولا؟ الجواب على ذلك ربما يكمن في أن هذا الفايروس (كورونا كوفيد 19) يختلف عما سبقه، فالإيبولا مثلاً والمنتشر في جمهورية الكونغو الديمقراطية يعتبر وفقاً لمنظمة الصحة العالمية حالة صحية «وطنية» طارئة ومحدودة، كما أن تأثير دولة مثل الكونغو محدودٌ على الاقتصاد الإقليمي فضلاً عن الاقتصاد العالمي، أما «سارس» فهو بالرغم من أنه حدث في الصين وفي مدينة أقل أهمية ووهان، حيث كان في بداية الألفية حينما كانت الصين لا تشكل أكثر من 8 في المئة من الاقتصاد العالمي بينما اليوم فإن الصين تشكل 19 % من الاقتصاد العالمي وتأثيرها مباشر على دول العالم قاطبة، كما أنها متشابكة أكثر في آسيا خصوصا مشروعات طريق الحرير وكذلك جميع أنحاء العالم. وتابع أبانمي بقوله بدأ انتشار الوباء للمرة الأولى في سوق محلية للأسماك والحيوانات البحرية في ووهان الصينية التي تعتبر واحدة من أكبر مدن العالم وأكثرها اتصالاً بالعالم الخارجي، حيث إن هذه المدينة اليوم تعدّ المركز السياسي والاقتصادي والمالي والتجاري والثقافي والتعليمي لوسط الصين ومركز نقل رئيس، كما تتصل بالمدن الكبرى الأخرى عبر عشرات السكك الحديدية والطرق السريعة، ويشار إليها أحيانًا باسم «شيكاغو الصينية» وذلك بسبب دورها الرئيس في النقل الداخلي، فمطار ووهان الدولي، استخدمه أكثر من 20 مليون مسافر في العام الماضي وتقع ووهان في وسط الصين على ضفاف نهر يانغتسي أحد أكبر أنهار العالم، ويسكنها نحو 11 مليون نسمة، وذلك حسب إحصائيات نشرتها الأممالمتحدة، وتأتي ووهان في المرتبة 42 عالمياً من حيث المساحة وعدد السكان، ولكنها تتميز بجبروتها الاقتصادي صينياً وعالمياً فهي أساس الصناعات المتطورة والتقليدية وموطن لعدة معاهد بارزة في التعليم العالي بما في ذلك جامعة ووهان التي احتلت المرتبة الثالثة على مستوى البلاد في عام 2017 وجامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا ويسكنها أكبر عدد من الطلبة أي ما يقارب المليون طالب وطالبة، وتعد أهم منطقة صناعية في الصين ويقع فيها سد جبار لتوليد الطاقة الكهرومائية وأكبر محطة توليد كهرباء في العالم بني على نهر يانغتسي، ويوجد فيها عدد كبير من المناطق الصناعية وأربعة مجمعات تطوير علمية وتكنولوجية وأكثر من 350 معهدًا للأبحاث و1,656 مؤسسة للتكنولوجيا الفائقة والعديد من حاضنات المؤسسات، وقد بلغت أعداد الشركات العالمية المستثمرة في ووهان الكبرى أكثر من 230 شركة تعد من أكبر 500 شركة بالعالم (حسب تقييم فورتشون العالمي)، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي 224 مليار دولار في عام 2018، كما أن ووهان هي المقر الرئيس لشركة دونغ فنغ موتور كوربوريشن وهي شركة تصنيع للسيارات، كما أن فرنسا تعد من الدول التي تمتلك استثمارات كبيرة في هذه المدينة، إذ تستثمر فيها أكثر من 100 شركة فرنسية. وأضاف تعدّ مدينة ووهان بوابةً لمنطقة الوديان الثلاثة السياحية، ولهذا فإن التقارير المقلقة من الصين تحمل أثراً سلبياً على اقتصاديات دول العالم، كل هذا تسبب بأخذ الإجراءات الاحترازية في الصين وفي دول العالم مما أربك الحياة الاقتصادية في بعض من الدول وتباطؤ في أخرى، وفي ظل مخاوف انتشار فايروس كورونا عالمياً واستمرار التقارير بهذا المنوال السلبي، فمن المتوقع أن يواصل الاقتصاد العالمي التباطؤ في ظل التقارير السلبية عن هذا الداء ومعه بالتأكيد هبوط في أسعار النفط؛ نظراً لما يسببه التباطؤ الاقتصادي من قلّة في الطلب على النفط كما أن الأسعار ستبقى في شد وجذب حتى تنجلي أزمة الفايروس.