تُدوِل الحديث في الفترة الماضية عن إعادة مادتي الخط والإملاء إلى الصفوف الأولية في التعليم العام بين مؤيد ورافض، لتنفي وزارة التعليم نيتها في إعادتهما كمادة منفصلة. وقفتُ عند هذا الموضوع، لكوني ممن هم في فلك تدريس اللغة العربية، وأعيش أجواءها مع طلبة المرحلة الجامعية، فآثرت أن أطرح رأيي في ذلك.. إن تنمية القدرة على الكتابة من أسس التعلم، فلن يستطيع الطالب جمع المعلومات دون تدوينها وكتابتها، ولن يصل إلى المعنى الصحيح لها دون إجادة الكتابة ومعرفة إملائها الصحيح، فلغتنا العربية دقيقة جدًا، قد لا يصل مفهوم الجملة صحيحًا بضياع حرف أو نسيان نقطة، ولنا فيما يكتب على شبكات التواصل الاجتماعي دليل على ذلك. فكم من الفوضى الكتابية التي أضاعت المعنى والفكرة لسوء كتابتها. لن أتحدث عن الخطوط السيئة التي ما عاد يفهم مضمونها، ولا يفهم معناها لصعوبة فك الأحرف؛ إذ أصبح ما يكتب على الأوراق طلاسم تُجهَل هويتها، أهي أحرف عربية، أم أشكال وخطوط هندسية، فلم يعد الاهتمام بتنظيم الكتابة أمرًا مهمًا، كما أدى التوجه إلى الكتابة بالحاسوب للاستغناء عن الكتابة اليدوية. إن الطالب في مرحلة التعليم يحتاج لمعرفة الكتابة الصحيحة المنظمة، وإعطاء كل حرف حقه، فهو في مرحلة اقتباس للعلم وحفظه، فكيف له أن يحفظ المعلومات التي يأخذها ويدونها ويعلق بملاحظاته عليها إن لم يحسن الكتابة؟! كما أن الطالب يقدم أثناء دراسته واجبات واختبارات بخط يده، فكيف سيحقق الهدف منها إن كان لا يستطيع الكتابة الجيدة الواضحة؟!. وهذه معاناة يواجهها المدرسون والأساتذة حتى في الجامعات؛ فمشكلة فك الخطوط وفهم الإجابات التي يدونها الطالب لم تعد أمرًا سهلًا نتيجة الكتابة البعيدة عن الوضوح. قد يعلل البعض عدم أهمية تعلم الخط والإملاء لوجود التقنية، فالذكاء الاصطناعي الذي نعيشه قطع لنا مشوارًا طويلاً من التعلم في هذا المجال، فأصبحت التقنية تترجم الحروف بأزرار يتم الضغط عليه، ويعتبر الكثير من الناس الكتابة من خلال الضرب على حروف الحاسوب أكثر متعة، وأسهل من مسك القلم والكتابة على الورق بأسطر متوازية، فالحاسوب سيقوم بمهمة الكتابة المنظمة بسرعة ووضوح، مصوبًا لنا الكلمات الخاطئة، كما تمتاز كتابة الحاسوب بسهولة التعديل والتراجع عن الخطأ وتجاوزه، كما وصل الذكاء الاصطناعي إلى تحول كلماتنا المنطوقة - الصوت - إلى كلمات مكتوبة، ما أغنى عن الكتابة بالأزرار أيضًا. ومع كل ما تقدمه الكتابة الحاسوبية من مميزات وخصائص، إلا أنها لا يمكن أن تكون بديلًا نهائيًا عن الكتابة باليد، فمهما تطورت حياتنا سنظل نحتاج الكتابة باليد في حياتنا اليومية، فالمهارات اليدوية أساس لا يمكن الاستغناء عنه مهما تطورت حياتنا وتقدمت. فلتكن حياتنا أكثر توازنًا بين التقنية والواقع، فلا شيء منها يغني عن الآخر.