كشف استخدام الأجهزة الذكية أخطاء إملائية كثيرة لعدد من مستخدميها، وبدأت الحاجة أكثر وضوحاً لزيادة حصص مادة الإملاء والخط في مدارسنا، حيث أوجد غياب التركيز على تلك المادتين جيلاً يعتمد بشكل كبير على "المصحح الإملائي" في تلك الأجهزة!. ومن المؤسف أن نتلقى يومياً بعض الرسائل التي تشتكي من ضعف الإملاء، فهذا يكتب "مسى الخير"، وآخر يكتب "كيف الحل"، وثالث يشتكي همومه ويقول: "الحية صعبة"، وهو ما يكشف عن خلل كبير في الكتابة والإملاء؛ مما يستدعي التحرك من إجل علاج الخلل، فالمدارس غاب عنها مادتي "الإملاء" و"الخط" بعد إقرار مادة "لُغتي الخالدة"، وحتى إن وُجد "الإملاء" والخط" في تلك المادة فهو بشكل ضعيف لا يتناسب مع أهمية الكتابة بشكل صحيح. إن ما نلمسه من ضعف الأخطاء الإملائية عبر رسائل الجوال والأجهزة الحديثة يتطلب إعادة الهيبة إلى الإملاء والخط العربي في المرحلة الابتدائية داخل المدارس، ومنحهما القدر المناسب في مقرر اللغة العربية، وكذلك منح مادة اللغة العربية أكبر قدر من الحصص في الخطة الأسبوعية، كما أنه من المهم إيجاد دورات تدريبية مكثفة للمعلمين في المرحلة الابتدائية الذين هم على رأس العمل. مادة مستقلة وقال "حيدر العلوي" -عضو لجنة الفنون التشكيلية والخط العربي-: إن الإهتمام من قبل المدارس بالخط العربي والإملاء قلّ عن السابق، مع وجود بعض التغيرات مثل إضافة "الخط" ضمن مادة "لغتي الخالدة" في المرحلة المتوسطة، وهو ما يُعد أمراً جيداً، إلاّ أنني أتمنى وجود متخصص لمادة مستقلة وهي الخط العربي في الإبتدائي والمتوسط للرفع من مستوى الخط والإملاء لدى الطلاب، مبيناً أنه إذا ما رجعنا للوراء في الزمن لابد من تذكر الفصول الدراسية الممتلئة بالوسائل المكتوبة بخط اليد من قبل الطالب أو المعلم أيضاً، وكذلك جود كتابات كثيرة بخط اليد في الوسائل الملصقة خارج الفصول، حتى لو كانت المدرسة مستأجرة، متسائلاً: لماذا تأخرنا في الخط عن السابق؟، أعتقد أن ذلك جاء بسبب الإبتعاد عن استخدام القلم إلاّ للضرورة، مشدداً على أهمية تكثيف الاهتمام بالخط العربي من خلال عمل دورات داخل المدارس أو من خلال المسابقات والمعارض، وهذا يحتاج إلى عمل دورات متخصصة لبعض المعلمين المهتمين بالخط العربي، مثل مدرس التربية الفنية أو مدرس اللغة العربية في الإملاء. وأضاف أن "الكمبيوتر" والأجهزة الذكية أثرت على أشياء كثيرة في حياتنا، وكذلك في الخط العربي، مضيفاً أن الخطاط إذا ما أراد الإفادة من التقنية الحديثة فهي أمامه، إلاّ أن برامج الخط في الكمبيوتر أثرت طبعاً على الحرف العربي الأصيل، والمتتبع للمعارض ولكتابات الخطاطين سيلمس فرقًا واضحًا بين اللوحات المكتوبة من قبل الخطاطين والمكتوبة بواسطة البرامج الكمبيوترية، مُشدداً على ضرورة الاهتمام بخطنا العربي؛ لأنه في عمق هويتنا العربية والإسلامية، فهو الخط الذي دوّن به القرآن الكريم، ولابد أن يكتب بإملاء صحيح. تجاري وأدبي وأكد "محمد جمعان الدوسري" -خطاط- على أن حصة الخط بالنسبة لإدارة المدرسة حصة مجاملة لراحة المعلم، وبالنسبة للمعلم حصة استراحة من عناء التعليم والتحضير، وبالنسبة للطالب حصة ترويح عن النفس، مضيفاً أنه لابد أن تكون حصة مهمة لما لها من أهمية، فضلاً في رعاية الناشئة والرقي بمستواهم الخطي والإملاء وتحسينها واكتشاف المواهب، ناصحاً أن يعطى الخط العربي في مناهج التأسيس قيمة، في ظل وجود الأمير خالد الفيصل -وزير التربية- وهو الذي أعاد لسوق عكاظ وهجه وتبنى إطلاقه -وفقة الله-، لافتاً إلى أن "الكمبيوتر" والأجهزة الذكية أدت إلى وجود شقين تجاري وأدبي، التجاري أساء للقاعدة الفنية الأصولية وضيعها بخروجه عن المتعارف عليه في أسماء الخطوط وتعانقها مع بعض، والثاني أفاد منه الخطاط الفنان في عمل اللوحة الفنية، فاختصر عنده الوقت في صناعتها على ما كان عليه في السابق، بل وأعطى للخطاط فرصة في استخدام مواهب إضافية وذلك عن طريق "الفوتوشوب"، كذلك أفاد منه الفنان التشكيلي عن طريق برنامج "الكرك" والعديد من برامج الخطوط، وذلك بإضافة حروفيات وأشكال خطية صعدت باللوحة الفنية وساهمت في رقيها. اجتهادات فردية وأشار "يوسف الحربي" -إعلامي ومعلم تربية فنية-: إلى أن الخط العربي ليس مفعلاً في المدارس إلاّ باجتهادات فردية من معلمي التربية الفنية كنشاط فني، مبيناً أنه قدّم في المدرسة عدة معارض للخط العربي كان أبرزها معرض محاكاة لأعمال الخطاط العالمي "محمد اوزجاي"، قدمها (13) طالبًا، مما يعطي الطالب ثقة في تقليد اللوحة الخطية والتعرف على أمهر خطاطي العالم الإسلامي في كيفية استخدام اللوحة، ذاكراً أنهم قدموا في المدرسة كذلك معرض شخصي للطالب "عمر الراجح"، وأبرز عدة أعمال بالخط، من خلالها يمكن التعرف على كيفية عمل خلفية اللوحات بواسطة الألوان أو التأثيرات مع الكتابة، كما تمت مشاركة الطالب "نايف الشمري" في كتابة مقولات خادم الحرمين الشريفين، بالإضافة إلى بعض الأنشطة والدروس التي يتم من خلالها التعريف بالقواعد الخطية والحروفية مع استخدام اللون أو بدونه، مشيراً إلى أن ذلك يُعد أنشطة مؤقتة لا تستمر، من يستفيد منها ويحب الخط يتعامل معه بالتدريب المستمر واطلاعه على الكتب ومحاكاة الخطوط حتى يبدأ بالإتقان. وأضاف: لا ننكر أن كثيرًا من الطلاب لا يجيد الكتابة وليس الخط، وهذا يرجع إلى عدم وجود مادة الخط، وكذلك عدم حصول الطالب على واجبات كتابية تحسن من كتابته في المواد الدراسية، الى جانب ضعف واضح في الإملاء، وهذا ما عملنا على تطويره حتى لا تفقد لغة الضاد هيبتها. مقرر «لغتي الخالدة» أضعف مهارة الإملاء والخط والمعلم لم يكن حازماً والنتيجة «مشي حالك» دافع ذاتي وحول معضلة تدني مستوى الإملاء والخط وكيفية حلها، قال "عبدالعزيز بن حمد القاضي" -مدير إدارة التعليم الأساسي في الإدارة العامة للإشراف التربوي بوزارة التربية والتعليم-: إن أجهزة التقنية الحديثة لا تعوق المتعلمين عن اكتساب مهارات الإملاء، وإن تكن برامج "التصحيح الإملائي" في أجهزة الحاسوب أسهمت -ولو على نطاق ضيق- في إهمال تعلم مهارات الإملاء وتحطيم دوافع التعلم الذاتي لدى الطالب، مضيفاً أن المهارة لا تُكتسب ما لم يكن هناك دافع ذاتي أو رغبة ملحة لتعلمها، وهذا معروف في قوانين علم النفس التربوي، مبيناً أن ضعف الإملاء لم يعد ظاهرة فقط، بل أصبح وباءً عاماً لا على مستوى الطلاب فقط، بل في كتابات كثير من المعلمين والمشرفين التربويين ومديري المدارس وغيرهم، مشيراً إلى أنه في خارج أسوار التربية والتعليم صرنا نشاهده في كتابات كثير من الإعلاميين، وبعض المثقفين والمسؤولين، والمؤلم أن ترى مختصاً في اللغة العربية يخطئ في الإملاء، ويلتهب الألم حينما يكون هذا المختص معلماً أو مشرفاً تربوياً، ذاكراً أنه ربما كان المعلم هو السبب الأول في انتشار وباء الضعف الإملائي، لكن المعلم في الوقت نفسه ما هو إلاّ ضحيَّة لإعداد ضعيف، إعداد أضيع دمه هدراً في حوار "بيزنطي" بين التعليم العام والتعليم الجامعي. وأضاف أن تحجيم مواد اللغة العربية وتقليلها خاصةً في المرحلة الابتدائية كان له دور آخر في ترسيخ هذا الضعف، مؤكداً على أن الإملاء من المهارات التي تفوت إذا أُهملت، ويصعب إصلاح الضعف فيها فيما بعد. ضعف تعلم وتأسف "القاضي" أن الخط تم إهماله منذ سنوات عديدة، وبدأ هذا الإهمال منذ أغلقت وزارة المعارف -آنذاك- "معهد تحسين الخط العربي"، الذي كان يخرج الخطاطين ويمنحهم شهادة "الدبلوم"، مضيفاً أنه في الماضي كان الطلاب يتنافسون في جودة الخط؛ لأنهم يجدون في أساتذتهم ومن حولهم من الأقارب والأصدقاء نماذج تحتذى في حسن الخط، أما اليوم فمعلمو الخط لا يجيدون الخط بأنواعه، لذلك لا يستطيعون أن ينقلوا الرغبة في إتقان الخط إلى طلابهم، وفاقد الشيء لا يعطيه، مبيناً أنه فطنت وزارة التربية والتعليم قبل أعوام إلى هذا الأمر، فوجهت بإسناد تدريس مادة الخط إلى من خطه جيد في المدرسة بغض النظر عن تخصصه، وللأسف هذا النوع من المعلمين أصبح اليوم قليلاً في مدارسنا، ذاكراً أنه جاء الحاسوب وأجهزة التقنية الحديثة فصارت الكتابة كلها تتم عبرها، فضعف اهتمام الطلاب بالخط لأنهم وجدوا ما يغنيهم عنه، وفي المستقبل القريب ستكون الكتابة كلها عن طريق تلك الأجهزة حتى في فصول الدراسة، وربما كان البعض يعمل بها الآن. وأضاف: لا أظن أن هناك مشكلة في تدني مستوى الطلاب في الخط العربي؛ لأن الأجهزة الإلكترونية اليوم صارت هي وسيلة الكتابة الشائعة في جميع دول العالم، والخط العربي فن من فنون الثقافة الإسلامية والفنون لها مريدوها وهواتها الذين يؤدون حقها مهما بدا أنها في طريقها للزوال، مؤكداً على أن المشكلة كل المشكلة تبدو في ضعف مهارات الإملاء، لافتاً إلى أن ضعف الكتابة نتيجة حتمية لضعف القراءة، وضعف القراءة يؤدي إلى ضعف التعلم وبطئه، وضعف التعلم وبطؤه من أكبر معوقات التنمية ومن أكبر مصائب الأمم. دورات تدريبية وشدّد "القاضي" على أن حل كل مشكلة يجب أن يبدأ من الجذور، والارتقاء بمستوى الكتابة لدى طلابنا إملاءً وخطًّا يبدأ بالمعلم من خلال عدم قبول من لا يجيد الإملاء -تحديداً في مهنة التعليم، والإيعاز إلى الجامعات أن وزارة التربية والتعليم لن تقبل توظيف الخريجين الذين لا يجتازون اختبارات الإملاء في الوزارة خارج نطاق اختبارات قياس، وكذلك إيجاد دورات تدريبية مكثفة للمعلمين في المرحلة الابتدائية الذين هم على رأس العمل في الإملاء في كل التخصصات، وتفعيل رخصة مهنة التعليم، وتطبيق اختبارات منحها وتجديدها بحيث يكون الإملاء أحد ركائز تلك الاختبارات، مضيفاً أن هناك حلول معززة أخرى، منها إعادة الهيبة إلى الإملاء والخط العربي في المرحلة الابتدائية، ومنحهما القدر المناسب في مقرر اللغة العربية، وكذلك منح مادة اللغة العربية أكبر قدر من الحصص في الخطة الدراسية الأسبوعية، مؤكداً على أن تعلم القراءة والكتابة أعظم أهداف المرحلة المهارية، فهما مفتاح العلوم وأدوات التعلم، وإيجاد مشروع وطني يهدف إلى العناية بالقراءة والكتابة، مع ضرورة مشاركة الإعلام في تقديم مواد توعوية توجّه إلى الاهتمام بتحسين القراءة والكتابة. التدريب على الخط والإملاء يبدأ من زمن الطفولة معارض الخط في المدارس تؤدي دوراً مهماً في تحسين مستوى خطوط الطلاب يوسف الحربي عبدالعزيز القاضي محمد الدوسري