مبدأ إتاحة الفرصة لا يعد تنازلاً بقدر ما يشكل انتصاراً للذات وتأصيلاً لحسن الخلق، حينما يغلب حسن الظن على ماعداه في احتواء للزّلات بقلب كبير وفكر رحب سيما في حالة حدوث أخطاء لم تكن في الأصل مقصودة أو خضعت لخلل في التقييم والتقدير بشكل سليم، كل من على هذه الأرض معرض للخطأ، ولو لم يكن مبدأ اتاحة الفرصة متداولاً بين الناس ومسهماً في التيسير على العباد لما تعلم أحد، بل لن يبقى أحد على هذه البسيطة. تحقيق التوازن وتأصيل القيم النبيلة والتي تحث على المسامحة أمر في غاية النبل، المعلم والمدرب يدركان مدى أهمية هذا العنصر، ليس فقط في إيصال المعلومة، بل التأكيد على استيعابها بشكل صحيح، فإذا أخطأ الطالب في المرة الأولى فله ثانية وثالثة وهكذا، لاعب الكرة يخفق في تسديد ركلة جزاء فينسى الجمهور إخفاقه بعد مباراة واحدة، وربما يسجل في نفس المباراة فيمحون زلته، يخطئ الفنان أو يخونه التعبير في لقاء معين ومع أول حفلة يتسامح الجمهور وينسى ما كان منه، في حين أن هذا هو التقدير الموضوعي والمنصف وتفعيلاً لهذا المبدأ الجميل، يخطئ الكاتب أو الكاتبة في مقالة يخونه التقدير في قراءة الموقف فيُسلق بألسنة حداد بل ويهمش تاريخه فيؤثر الابتعاد والانزواء تجنباً للإحراج المعنوي ولا يفتأ ناقداً ذاته حيث إن الأغلبية ربما لا يقفون بمسافة واحدة إزاء تقدير الأخطاء، بل إن من يتحكم بقصر المسافة أو طولها طبيعة المهنة أو المهارة والتعامل وفقاً لمصدر الخطأ وليس الخطأ ذاته، هذه الحساسية المفرطة والتعامل المعنوي مع هذه المهنة يصيب الثقافة في مقتل ويعوق عجلة الأدب ويخسر الجمهور متعة التنزه في عقول الأدباء، بل إنها من التجني على الفكر حينما تختلط في بعض الأحيان مع محاكمة النوايا وفق رؤية ليست من الموضوعية والإنصاف في شيء ولا يعلم ما بالسرائر إلا علاّم الغيوب، ويصدق عليهم قول الشاعر والحالة تلك «وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا»، الصحافة الورقية على سبيل المثال تخضع لمعايير تنظم العملية الإعلامية وفي إطار الحرص على تماسك بنية المجتمع والمحافظة على استقراره والمحافظة على الحقوق العامة والخاصة وعدم الإخلال بالقيم والمبادئ وشرف المهنة، في حين أن الوضع يختلف نوعاً ما في المواقع الإلكترونية والتي تبدو مرنة إلى حد كبير إذ يتباين حجم استغلال الحرية في هذا الإطار فقد يكون سلباً أو إيجاباً طبقاً لما تنشره هذه المواقع، والتي بدورها أيضاً ترفق عبارة عدم مسؤوليتها عن ما ينشر وهو رأي الكاتب والذي هو الآخر ربما يكون متوارياً خلف اسم مستعار، فضلاً عن قدرتها في حذف المادة ولو لم تمضِ دقائق على نشرها، من هنا كانت الصحف تباشر استخدام الهامش المتاح من الحرية في إطار المسؤولية الأدبية والالتزام الأخلاقي لأنها لا تتنصل من مسؤوليتها تجاه ما ينشر، ويبدو أننا بحاجة إلى تقنية «الفار» للتريث والتثبت قبل البت بالحكم في جميع المجالات. المسألة ليست جرأة وسباحة عكس التيار بل آراء تخطئ وتصيب وجل من لا يسهو، مبدأ «إتاحة الفرصة» يزيح الشقاء عن الذات ويفيض منسوبه العذب على القلوب الكبيرة الحاضنة للتسامح ونبل المشاعر، وفي خضم تقنية التواصل المباشر في الوسائل المختلفة ربما لا تسعف البديهة البعض، لذا فنحن بحاجة ماسة إلى أكبر قدر من الأريحية وسعة الصدر وتمرين النفس في منح هذا المبدأ المتوهج مساحات أكبر في قلوبنا لنكون من المحسنين العافين عن الناس الذين يحبهم المولى تبارك وتعالى، فمن أخطأ وبادر بالحذف والاعتذار جدير بالعفو والمسامحة.