البارحة ما هي من البارحاتي من واهج ينفخ على البيت ويزير لولا أبو خوذه قيل هذا مماتي في سهلة ما ينلقابه حفافير عطيته ما هي من البيناتي فروة وكنة عازلن لي مغاتير أبيات تقول إحدى رواياتها إنها لحايف قصد الشيخ عبدالكريم الجرباء الملقب ب(أبو خوذة) في إحدى الليالي الباردة لسرقة إحدى نياقه قبل أن يكبله البرد ويسوقه مجبرا إلى بيته بحثاً عن الدفء، وقيل إنها لزائر ضمه مجلسه العامر دائما بالزوار تنبه له الجرباء وهو يرتجف من البرد فخلع فروته وألبسها له أو غطاه بها أثناء نومه، وفي كل الأحوال فالقصة معروفة والشاهد منها ما كان يعانيه الآباء والأجداد خصوصا في ليالي الشتاء الباردة مع شح أو انعدام الملابس والأغطية الكافية، بالذات أبناء البادية الذين ما كان أمامهم إلا اختراع بعض الحيل التي يلجؤون لها في بعض الليالي للتخفيف من وطأة البرد، والذي كثيرا ما يتسبب في هلاكهم وهلاك مواشيهم، ومن أهم تلك الحيل الاستمرار في إشعال النار طيلة الليل يساعدهم على ذلك توافر الحطب سواء داخل خيامهم أو حتى في الخلاء لمن تجبرهم الظروف على المبيت خارجها كما يستعينون بها لتدفئة مواشيهم. وينقل لنا بعض من عايشوا تلك المرحلة أنهم في بعض ليالي الشتاء الباردة يسهر الأب أو الأم أو يتناوبان على إشعال النار طيلة الليل بالقرب من مبيتهم ومبيت أطفالهم داخل الخيمة أو بيت الشعر أما الرعاة الذين يبيتون مع مواشيهم وجمالهم في الصحراء أو المسافرون و(الطرقية) الذين لا يجدون من يأويهم فالنار أيضا هي إحدى حيلهم إما بإشعالها أو حفر حفرة أو شق تزاح داخله النار وتوزع (الملة) وينام فوقها يقلب جسده كل ما دفئ طرف قلب إلى الطرف الآخر والحضيض من يملك عباءة أو قطعة قماش يغطي بها فوهة الحفرة للحفاظ على الحرارة أكثر وقت ممكن. لكن العقبة الكبرى تكمن في كيفية الحصول على قبس النار الذي قد لا يتوفر في كل حال. مع ندرة وجود وسائل إشعال النار وعندما كانت الوسيلة المتاحة لإشعال النار آلة (الزند) وهو عبارة عن قضيبين من الحديد يضرب بعضهم ببعض لإحداث عطبة عادة ما تجمع مادتها (مادة الإشعال) من صوف الغنم المتشبع بالعرق المتسخ. فكانوا عند انعدام وسائل إشعال النار غالبا ما يلجؤون إلى مواشيهم للتدفئة بأجسادها وقد تعوّد رعاة الإبل أو المسافرون عليها أن تبرّك المطية على شكل مصدّة في اتجاه الريح ويلتصق صاحب الناقة أو الجمل لجسدها إن لم يقم بحفر شق تحتها باتساع جسمه حتى تمده بشيء من طاقتها. أما في القرى والهجر وإن كانوا أحسن حالا من أبناء البادية لوجود المباني والعشش إلا أنهم ليسوا بمنأى من هجمات البرد المباغتة والتي لا يملكون معها ما يستطيعون اتقاءه إلا بالاستمرار في إشعال النار، يساعدهم في ذلك أعجاز أو نبوع النخيل الضخمة التي يقومون بإشعالها في الأفنية خارج الغرف وعند أبواب المنازل والممرات الضيقة لأنها قد تظل مشتعلة لعدة أيام كما يستخدمونها بالقرب من حظائر مواشيهم للغرض نفسه. وبالنسبة للرجال والصبيان الذين لا يملكون الفرش والأغطية الكافية فلديهم ملاذ آخر وهو اللجوء إلى مخازن التبن الذي يندسون داخله بملابسهم ويتسابقون لحجز أماكنهم من بعد انقضاء صلاة العشاء مباشرة، وهذه المخازن إما أن تكون عامة ومشاعة لأهالي القرية أو تكون خاصة بالأسرة أو العائلة، ولما كانت هذه المخازن تستخدم أيضا لحفظ وتخزين بعض مأكولاتهم مثل اللحوم المجففة والقرع وبيض الدجاج والذي يحفظه طازجا لبضعة أشهر خصوصا القرع لوجود مثل هذه المأكولات فيتحتم على من يستخدمه للنوم توخي الحذر ومعرفة أماكنها بالذات بيض الدجاج المعرض للتلف. إشعال النار ليلاً للتخفيف من وطأة البرد زند قدح النار تبرّك الابل لتشكل مصدّة للريح