فقدت الكثير من المدن السيطرة على إيقاف الزحف العمراني وأصبح التوسع المضطرد سمة لازمة لها بما يتسببه من تكاليف ونفقات عالية ومكلفة على مستوى المعيشة والخدمات ومرافق البنية التحتية والنقل، ولا شك أن ضعف إدارة المدن وعدم الالتزام بسياسات التخطيط العمراني والتوسع في تغيير استعمالات الأراضي استجابةً لطلبات سوق العقار وتجارته تمثل عوامل ومسببات رئيسة لذلك. ولأهمية استشعار التأثيرات السلبية وتكاليف الزحف العمراني على المدن يمكن الاستفادة من الدراسات المشابهة التي أعدتها بعض المدن نظراً لعدم توفر بيانات واضحة ومحددة لمدننا، حيث أعدّ معهد فيكتوريا لسياسات النقل دراسة لقياس تكاليف تأثير الزحف العمراني على الاقتصاد الأميركي، وقد بيّنت الدراسة أن الزحف العمراني يكّلف أكثر من تريليون دولار أميركي سنويًا، وتشمل هذه التكاليف زيادة الإنفاق على البنية التحتية وتقديم الخدمات العامة والنقل، كما وجدت الدراسة أن الأميركيين الذين يعيشون في مجتمعات مترامية الأطراف يتحملون مباشرة تكاليف إضافية تبلغ 625 مليار دولار، بالإضافة إلى ذلك يتحمل السكان تبعات صحية بسبب الزحف والامتداد الحضري الذي يعد مساهماً في انبعاثات غازات الدفيئة فالمدن مسؤولة عن 70 ٪ من الانبعاثات، وخلصت الدراسة إلى أن تصحيح هذه المشكلة والحد من الزحف العمراني يعد فرصة ممكنة للمدن وساكنيها من حيث المساهمة في زيادة الإنتاجية الاقتصادية وتحسين الصحة العامة وحماية البيئة. وفي الواقع نجد أنّ من أبرز الآثار السلبية الملاحظة على توسع المدن وزحفها العمراني غير المخطط له هو ضعف الإنتاجية الاقتصادية للمدن نظراً لزيادة المسافة التي يقضيها العاملون في سبيل الوصول إلى أعمالهم والاعتماد الكلي على السيارة كوسيلة للنقل، وعدم اكتمال تغطية الخدمات والبنية الأساسية لكامل المناطق الحضرية بالإضافة إلى تدمير البيئة الطبيعية والمائية واستنزاف مواردها وهو ما يخالف مبادئ وسياسات التخطيط العمراني التي تؤكد على إيجاد مدن ذات تنمية حضرية متسقة ومتصلة بحدود واضحة ومحددة تساعد في توفير الخدمات والبنية التحتية وتساهم في تقنين استهلاك الأراضي وخفض تكاليف ومتطلبات رأس المال للبنية التحتية الحضرية والنقل. لقد أصبحت الكثير من المدن العالمية تدرك خطورة الزحف والتوسع العمراني لذا خرجت سياسات عدة تؤكد على أهمية التوجه نحو النمو الذكي المخطط له الذي يؤدي إلى مدن أكثر إنتاجية تحافظ على مواردها وبيئتها المكانية وتحقق الكفاءة القصوى في توجيه ميزانياتها واكتساب عوائد استثماراتها. لذا من الأهمية بمكان تبني سياسات أكثر وضوحاً وصرامة في حماية المدن من التوسع والزحف العمراني والتوجه نحو تطوير الكثافات العمرانية الرأسية أو تنمية المدن المحاذية للمدن الكبرى واعتبارها مدن ضواحي منفصلة، تستفيد من الخدمات وتختلف في الوظيفة. *متخصص في التخطيط العمراني والتنمية