يفقد الكثير منّا أحياناً أعز صديق أو زميل أو أخ بسبب كلمة خرجت منه في وقت انفعاله، أو غضب، وأحياناً ربما تكون مزحة ولم يفكر قبل أن ينطقها، وهذه -مع الأسف- من السلبيات لدى الكثير، ويقال: إن الكلمة مثل الرصاصة إذا خرجت لا تعود ويكون تأثيرها أحياناً قاتلاً!. وقال د.ناصر العبيد -إمام وخطيب-: لا أُريد الكتابة بمثالية وتعامٍ، وإنما من خلال الواقع والحقيقة التي نعيشها اليوم، الإنسان بطبيعته اجتماعي لا غنى له عن مخالطة الناس في كافة ضروب الحياة، وهنا لابد أن يصطدم معهم لأي موقف كان خيراً أو شراً، وحينما يصطدم بعضنا ببعض لأي موقف هنا يظهر معدن كل واحد منّا وحقيقة الأخوة والصحبة بيننا، وما أكثر ما تخاصمنا مع القريب والبعيد حتى الأقارب والزوجة والإخوان لأي سبب من الأسباب، ولكننا في خصومتنا تمسكنا بذلك الود الذي بيننا استجابة لأمر الله. وأوضح العبيد أن من يجلّك ويقدرك لا يمكن أن يتمادى عليك، وأن يتطاول في حقك ولو بكلمة مهما بلغ غضبه؛ لأنه لا يتناسى القرابة أو العشرة بينما نرى الذي يسترخصك ولا يرى لك قيمة هو الذي يتطاول عليك بكلمات قاتلة لا تغفرها الأيام ولا السنين ولا مصالحة فلان أو علاّن، والمصيبة -أحياناً- أن البعض منا مجبر لاستمرار علاقته مع هذا المسيء لأي ظرف كان، الأمر الذي يستوجب علينا حزم منضبط حتى لا نترك لمثل هؤلاء التمادي على كراماتنا، ذاكراً كلاماً لابن القيم كان مفاده يقول: «من خاصمك وأخطأ في حقك فلا تأمن وإن عاد»؛ لأنه لو كان يجلك ما أخطأ عليك، وفي المثل المعروف: «لا تكن ليّناً فتعصر، ولا صلباً فتُكسر». تربية وتعليم وتحدثت شدى عبدالحليم -اختصاصية نفسية- قائلةً: كثير ما يحصل أن يخسر شخص أقرب الأشخاص في حياته بسبب موقف أو كلمة صدرت منه وقت الغضب، ويحصل أيضاً أن يخسر أشخاصاً بسبب مزاح وكلام ثقيل، وكل ذلك يرجع للكلمة وتقنينها متى تقال وأين لا تقال، مضيفةً أنه يرجع هذا الضبط للشخص حسب تربيته ونفسيته وتعليمه؛ لأن للكلمة الواحدة وقعاً وتأثيراً على المستمع إمّا سلباً أو إيجاباً، كذلك لها صدى أو ردة فعل من المستمع يرجع لقائلها، فإما سيبتعد عنه الآخرون نتيجة لكلماته المغلوطة وغير المناسبة، أو سيقتربون منه لصدق أقواله والحكمة والأدب التي تحملها تلك الكلمات، كما قال الشاعر عبدالرحمن الشرقاوي: «الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور»، مبينةً أن الغريب أن البعض يسميها «زلة لسان» على الرغم من أن اللسان لا يتحرك بدون إرادة الشخص، وكم من زلة لسان أتت بأعاصير هدمت علاقات اجتماعية، مُشددةً على أن علينا الحرص والوعي وضبط النفس قدر المستطاع وجل من لا يخطئ، ناصحةً بإدارة الحوار مع هذا النوع من الأشخاص والتحكم به ليتم إنهاؤه في الوقت المناسب، كذلك عدم ترك مجال للاستماع لهم بشكل واسع، أمّا كمتلقٍ يجب عليك ضبط النفس لكي لا تقع في الخطأ نفسه. تسول الصفح وقالت مها العبدالرحمن -كاتبة-: «وهل يكب الناس على وجوههم إلاّ حصائد ألسنتهم»، قول من لا ينطق عن الهواء رسولنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم بعد أن أخذ بلسان سأله وقال: «كف عليك هذا»، وذلك مصداق لعظيم أثر منطوق الألسن، ناهيك عن أن رب العالمين قد يغفر ما دون الشرك به، أمّا البشر فقد لا تسامح ولا تغفر ولا تنسى ولا تدمح الزلة ولا تتجاوز الجرح، وتعجز أو ترفض أن تطبب نفسها بعده، فالكلمة ما دامت في قبصة لسانك وتحت سطوة فكرك وعقلك تملكها، فإن خرجت ملكتك وأوردتك درب المهالك أو ذل الندامة وتسول الصفح والغفران، وغالبنا يذكر قصة ذاك الحكيم الذي طلب من ابنه أن يدق مسماراً بالسور في كل مره يخطى بها على الآخرين ويعجز عن كظم غيظه، ثم طلب منه أن يقتلعها في كل يوم لم يبدر بحق الناس خطأ منه، ثم استشهد له بالخدوش والندوب التي أحدثتها المسامير، وأن مثلها يحدث على جدران النفوس فلن يخفيها الاعتذار والأسف. رد إساءة وأوضحت مها العبدالرحمن أنه ما كان الصمت حكمة إلاّ لأن الكلام يحتمل أكثر من تأويل، مضيفةً أن للرد الجارح أسباباً في مجملها لا تُقبل: إن هي رغبة في رد إساءة الآخر فتلك المصيبة، فمن ينهى عن خلق يجب ألاّ يأتي مثله، ولا ينتقد سلوكاً ويجاريه بل ادفع بالتي هي أحسن، وإن كان اللفظ من الغضب فالغضب من الشيطان، والترفع وضبط النفس من دماثة الخلق، ورقي السلوك وقوة الشخصية، وعلى العاقل أن ينوء بنفسه عن أذية الآخرين فإن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره وفحشه، وإن كان من باب المزاح والتهريج و»الميانة» والجرأة على الناس، فإن بعض الظرافة وقاحة، ولا دخل لخفة الظل بالتجريح وسلاطة اللسان، مبينةً أن العلاقة بالآخر برقي وتحضر وتميز وأناقة لا يمثلها هندام حسن وشعر مصفف وملامح جميلة، بل هي ذوق وحسن منطق، وكلمات وعبارات مصففة بعناية، وجمال حضور بالصوت والصورة وعقل لافت، ناصحةً بأهمية تمالك الأعصاب، وتغير عادة العصبية وسرعة الغضب، وتبسيط وتذكر أن الدنيا أحقر من أن تعاش في مشاحنات وخسارة بشر. سريع ومفاجئ وقال زاهر الحكير -اختصائي نفسي-: لعل من أهم العوامل التي تؤدي إلى حدوث مثل هذه الظاهرة هو عدم القدرة على إدارة الغضب في بعض المواقف، وقد يكون هناك غضب سريع ومفاجئ، وأيضاً غضب تراكمي نتيجة مواقف حاول الشخص أن يكبتها حتى وصل إلى مرحلة الانفجار، ولمواجهة هذه العادة لابد أن يكون لدى الشخص القدرة على فن إدارة الغضب، والتي تعد من أهم المهارات الحياتية التي ينبغي لمن يعاني من هذه العادة أن يتعلمها؛ لأنه في حالة الغضب يكون الجانب الخاص بالانفعالات والمشاعر هو المسيطر على الشخص والجانب العقلاني في حالة سُبات، مضيفاً أنه لابد من تعلم طرق الوقاية من هذه الظاهرة، وكذلك اتباع الهدي النبوي حول البعد عن الغضب، أيضاً البُعد عن الأماكن والتجمعات التي تثير عادة الغضب، وكذلك إخبار صديق قريب للشخص بأنه يعاني من هذه الظاهرة ويحاول أن يساعده في حالة الإثارة. رفاق سوء وأوضح عبدالله صبرا أنه يتساهل البعض بما يخرج من لسانه من الكلام، ولا يعي أثراً لذلك، وقد يفقد الكثير، مضيفاً: «إليك أخى القارئ وأختى القارئة بعض النصائح لمواجهة تلك الظاهرة: تحديد أسباب ومصادر التعلق بهذه العادة ومقاطعتها قدر المستطاع، والتى من أهمها رفاق السوء الذين يجب استبدالهم بصحبة طيبة تعين على قول الخير والكلمة الطيبة سواء في الواقع أو على مواقع التواصل، كذلك إدراك الفارق بين النصيحة وبين التدخل في حياة الناس، فهناك من يظن أنه طالما يود النصيحة، فإن ذلك يمنحه الحق في قول أي شيء يريده طالما أن ذلك يندرج تحت باب النصيحة وهذا من الخطأ، فاحرص أخى الكريم ألا يتجاوز نصحك ليصبح تدخلاً غير مقبول في حياة من تتحدث معه، أيضاً قل الخير أو اصمت، وقول الخير لا يعنى أن ننافق الأشخاص من حولنا أو نخبرهم بأشياء غير موجودة لديهم في الواقع، ولكنه يعتمد على حسن اختيار الكلمات التى تناسب الموقف، وتناسب الشخص الذي تتحدث معه، وكذلك نقدمها في إطار من النصيحة بعيداً عن التدخل في حياته، كذلك اجعل كلامك دائماً إيجابياً، وتجنب الألفاظ السلبية -حتى عند نفيها- فمثلاً: بدلاً من أن تنصح أحدهم قائلاً: لا تقلق، قل له: اطمئن، سوف تجد أثراً مختلفاً للكلمة في نفس المتلقي». وعي مسبق ونصح عبدالله صبرا أيضاً بأهمية الوعي المسبق بأضرار ذلك مثل خسارة الأصدقاء والزملاء، والنظرة غير المرضية من الأسرة والمجتمع تجاه صاحبها، كذلك معرفة طبيعة الشخص الذي تتعامل معه حيث تختلف شخصية كل منّا عن الآخر، فالبعض يحب الحديث ويرغب في الاستماع لنا، بينما يرى البعض الآخر في الحديث عبئاً مملاً لا يرغبون في تحمله، إضافةً إلى إدراك أننا محاسبون على كل كلمة وأثرها، يقول الله تعالى: «ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد»، وقد جاء التحذير من النبي صلّى الله عليه وسلّم من أعمال تباعد فاعلها عن الجنة؛ ومنها عدم حفظ اللسان، وأخبر أن سبب دخول الناس إلى النار هو حصاد ألسنتهم، فمتى أدرك كل منّا أنه محاسب على كل ما يقول ويكتب، سيعيد حساباته، وهذا التاريخ يخبرنا أنه كم من المجتمعات هدمت بكلمات قليلة قالها البعض، وكم من أخرى ازدهرت وسادت بالكلمة. تمالك أعصابك واضبط لسانك وقت الغضب د. ناصر العبيد شدى عبدالحليم زاهر الحكير عبدالله صبرا