مرحلة ما قبل التقنية كان الفرع هو المصدر الرئيس لجذب العملاء للبنك من خلال تواجده بالقرب منهم وكلما زادت فروع البنك كلما تمكن من زيادة أعداد العملاء المستقطبين، وقد استفادت بعض البنوك من هذه الميزة بتنمية أصولها وزيادة عدد عملائها وتنويع مصادر البيع وخصوصاً خدمات البيع التي تلبي احتياجات الأفراد، المرحلة المقبلة هي مرحلة متغيرة تماماً فغالبية العملاء أصبحوا لا يهتمون كثيراً بوجود الفرع التقليدي وأيضاً لا يحبذون زيارته لأن تجربة العملاء عند زيارة الفرع قد لا تكون محفزة في الوقت الراهن، العملاء تغيرت احتياجاتهم فأصبح عنصر الجذب لديهم هو التطور التقني في البنوك وعدم مطالبة العميل بزيارة الفرع لأغراض تحديث البيانات أو استلام البطاقات والاستفادة من خدمات النفاذ الوطني الموحد في جميع الخدمات البنكية التي تحتاج إلى التعرف على الهوية أو توثيق العقود، كذلك الاهتمام بعملية تسعير رسوم الخدمات والتكاليف التمويلية، في المقابل أصبحت العمليات في الفروع أكثر كلفة مع أحجام العملاء عند زيارة الفروع، التكاليف التشغيلية الهائلة للفروع سواء فيما يخص القيمة العالية التي تُدفع عند شراء الأرض وتكلفة الإنشاءات قد لا تتمكن بعض الفروع من تغطية تكاليفها إلا بعد سنوات طويلة وهذا يجعلها ذات جدوى اقتصادية متدنية وتشكل عبئاً مالياً على البنك، وهنالك مصاريف كالصيانة والتشغيل والمصاريف الإدارية والرواتب وعندما نقارن تكاليف الفروع بعدد العمليات التي تُنفذ فيها والتي لاتتجاوز 10 % حسب إحصائية أحد البنوك قبل عدة سنوات، ومع زيادة التوجه للخدمات الإلكترونية والتسويق لها قد تنخفض أكثر من ذلك، وفي المستقبل القريب قد لا تتجاوز 1 % من إجمالي عمليات البنوك.. إذاً ما الجدوى من التوسع طالما أن عدد الزائرين للفروع في انخفاض مستمر وبالتالي تحميل البنوك تكاليف تشغيلية كبيرة كان الأجدى صرفها في تطوير الخدمات الإلكترونية وتخفيض أسعار الرسوم وفوائد التمويل، أما شريحة العملاء الذين يزورن الفروع فإن الغالبية العظمى منهم إما كبار السن الذين لا يجيدون استخدام التقنية أو مناديب المؤسسات والشركات وهذه الشريحة سوف تتناقص مع تكثيف التوعية وتحفيزهم بأسعار أقل لو استخدموا القنوات الإلكترونية، وعلى البنوك إن أرادت أن تستمر في المنافسة أن تبدأ في تقليص عدد الفروع بدءًا من الفروع المستأجرة وتحويل بعض الفروع المملوكة الى فروع ذكية 100 % ثم المرحلة الأخيرة هو بيع الأصول العقارية للفروع ذات الجدوى المالية المنخفضة والاستثمار في الموظفين المميزين أو استقطاب الموهوبين وتطوير قدراتهم التقنية بابتعاثهم للتدريب في وادي السيلكون وخلق بيئة محفزة للتفكير والإبداع وتطوير الخدمات التقنية من أجل الوصول إلى شرائح واسعة من العملاء والانطلاق بهذه التقنيات البنكية الحديثة إلى العالم الخارجي. إن لم تبادر البنوك السعودية في تصدير حلولها المالية الذكية إلى العالم فإن البنوك العالمية وشركات التقنية سوف تغزو أسواقنا وتستحوذ على شريحة كبيرة من عملاء البنوك الحاليين سواء من الأفراد أو الشركات أو حتى عملاء الاستثمار وخصوصاً مع دخول لاعبين جدد في المجال المصرفي، ولابد من الآن العمل على تحويل التكاليف من الفروع التقليدية الى الحلول المالية الذكية عبر الفروع الإلكترونية الذكية (اي برانش) ثم الاستثمار في تقنية مدفوعات سلسلة الكتل (بلوك تشين)، وتقديم خدمات للتحويلات الدولية بتقنيات متطورة سريعة وأقل كُلفة كذلك تطوير التمويل عبر الإنترنت سواء للأفراد أو الشركات وخصوصاً أن القوائم المالية للشركات والمؤسسات أصبحت الآن متاحة في برنامج قوائم التابع لوزارة التجارة والذي يمكن الجهات التمويلية من الدخول إلى هذه القوائم وتحليلها ومعرفة قدرة الشركة المالية وتدفقاتها النقدية وتبقى بعض الإجراءات التي لابد أن تتم بعيداً عن التقنية مثل الزيارة الميدانية للشركة والتأكد من بعض المعلومات الضرورية، تحسين تجربة العملاء الإلكترونية أصبحت ضرورة عبر التحديث المستمر للقنوات الإلكترونية وإضافة خدمات جديدة وعروض مميزة عند استخدام القنوات الإلكترونية وتعزيز ولاء العملاء عبر إعطائهم خصومات للمشتريات من المواقع الإلكترونية لمبيعات التجزئة والسفر والسياحة وتقديم الخدمات اللوجستية لها، كذلك تطوير المحفظة الإلكترونية والبصمة الإلكترونية وبصمة العين وإصدار بطاقات الائتمان عبر الإنترنت وتمكين السحوبات النقدية من دون استخدام بطاقة الصرف الآلي وتعزيز التواصل مع العملاء عبر جميع وسائل التواصل الاجتماعي وإعطاء أهمية قصوى للشكاوى والمقترحات وتقديم مكافآت مالية لأي عميل يقدم مقترحاً مميزاً للبنك ونشر ذلك المقترح عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتعزيز التفكير والإبداع لدى العملاء فكثير من الأفكار المبدعة تأتي عن طريق جهات خارج الجهاز المصرفي. عندما تتحرر البنوك من النهج التقليدي وتتمكن من خفض المصاريف التشغيلية وتقليص الأعمال اليدوية وتخفيض عدد العمليات التي تتم بواسطة الموظفين فإن كثيراً من الأعباء التي ترهق إدارات البنوك سوف تتلاشى وتترك مساحة جيدة للتفكير والإبداع واستشراف المستقبل الذي يحمل الكثير من التحديات ومواجهة الموجة العاتية والغزو العابر للقارات بكل صلابة واقتدار وتحصين مصارفنا من شراسة المنافسة، ونتطلع إلى أن تعمل ساما على حث البنوك على خفض عدد الفروع التقليدية وتشجيع الاندماجات للمصارف الحالية من أجل تكوين كيانات كبيرة قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية وكذلك توسع قاعدة البنوك الصغيرة منخفضة التكاليف بالترخيص لمصارف جديدة تعمل وفق أحدث التقنيات البنكية.