أستاذ ومعلم ومؤلف وقاض، عمل في جميع هذه الحقول وبذل كل ما في وسعه في خدمة هذه الوظائف التي أوكلت إليه، وبالذات الأستاذية والتدريس والتعليم، ولقد تميز في هذا الحقل وبرز فيه فكان موهوبًا في تدريس التلاميذ، بل في التأليف المدرسي رغم أنه لم يدرس طرق التدريس الحديثة ولم يتخرج في جامعة أو في معهد إعداد المعلمين، لكنه بفطرته وذكائه استطاع أن يكون أحد المُعلمين الأوائل المتميزين في بدايات التعليم النظامي، فهو رائد من رواد التعليم النظامي في المملكة، إنه الشيخ والأستاذ والمعلم عبدالله بن مطلق الفهيد، هذه الشخصية العلمية والتربوية الناجحة في أعظم ميدان وأخطره، هو التعليم والتربية، فكان من واجبنا أن نتكلم عن هذه الشخصية التي قد نُسيَت، أو التي لا يعرفها كثير، وقد مضى على رحيلها أربع وستون عامًا -رحمه الله وعفا عنه-. عبدالله بن مطلق الفهيد من مواليد سنة 1312ه كما يذكر من ترجم له كالشيخ عبدالله البسام، وكما ذكر الأستاذ محمد القاضي في كتابه (روضة الناظرين)، واستوطن في عنيزة مدة وطلب العلم فيها، ومن خلال سيرته التي كتبها عنه مترجموه خصوصًا ابنه السفير محمد المطلق التي نقلها عنه الشيخ عبدالله البسام في كتابه (علماء نجد) تلحظ همة الشيخ عبدالله بن فهيد لطلب العلم، ورحلته الداخلية في اغترافه من مناهل العلماء، فهو ما يحل ويقيم ببلدة إلاّ ويستفيد من علمائها، فلقد أخذ وقرأ ودرس عن عالم عنيزة وقاضيها الشهير الشيخ صالح بن عثمان القاضي، ودرس على الشيخ عبدالله بن مانع وعلى الشيخ سليمان العمري، وهذا الأخير كان زميلًا في طلب العلم في عنيزة وأستاذه كذلك في العلم، وحصلت بينهما صحبة وصداقة لأجل العلم، واستفاد منه ابن فهيد في عنيزة استفادة جيدة في العقيدة والفقه، لذلك رحلا معًا إلى الرياض. بريدةوالرياض قبل رحلة الرياض انتقل الشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد - رحمه الله - إلى بريدة وقرأ على أشهر علمائها وهما الشيخ عبدالله بن سليم والشيخ عمر بن سليم - كما ذكر ذلك الشيخ الأستاذ صالح العمري في كتابه (علماء آل سليم وتلامذتهم)، وقد رحل إلى الرياض مع صديقه وأستاذه الشيخ سليمان العمري فدرسا في حلقات الشيخين؛ الشيخ عبدالله بن عبداللطيف والشيخ سعد بن عتيق - والظاهر ولست متأكدًا أنهما رحلا إلى بريدة قبل الرياض - أقصد الشيخين ابن فهيد والعمري-؛ لأن العمري قرأ على الشيخين نفسيهما اللذين قرأ عليهما الشيخ عبدالله بن فهيد ثم رحلا إلى الرياض، ولحبه لشيخه الشيخ سليمان العمري قرأ عليه أيضًا بالمسجد النبوي عندما تعين الشيخ سليمان قاضيًا في المدينة عام 1346ه - كما ذكر ذلك صالح العمري في كتابه المذكور، وقد انفرد بهذه المعلومة. رحالة وجوالة ورحل الشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد - رحمه الله - إلى ساحل الخليج العربي بالإمارات، وكان الشيخ المحدث النجدي عبدالكريم البكري - رحمه الله - قد أسّس مدرسة في إمارة عجمان، يقول الشيخ عمر بن محمد السبيل - إمام الحرم المكي رحمه الله - في نبذته عن الشيخ البكري: «واختار إمارة عجمان لبث دعوته فسكن بها وأسس بها مدرسة شرعية أقبل عليها الطلاب من نواحي إمارات الخليج»، كما أن الشيخ عبدالله الفهيد رحل إلى مكة واستفاد من العلماء هناك، ومنهم الشيخ العالم محمد بن مانع والشيخ عبدلله بن علي بن حميد، وكذلك العالم السوري محمد بهجت البيطار والشيخ محمد بن تركي والشيخ محمد حمزة، ولا شك أن الشيخ عبدالله بن مطلق رحالة وجوالة في طلب العلم لا يشبع من التزود من العلوم المتاحة في ذاك الزمن، وكانت تنقلاته في طلب العلم على ظهور الجمال صابرًا على مشقة السفر في الحر والبرد وقلة الزاد وقسوة العيش ومخاوف السفر - والسفر قطعة من العذاب في الزمن الماضي. يعد من أوائل الذين ألفوا المقررات المدرسية وأسهم في إفادة المرحلة الأولى من التعليم النظامي أول كتاب وألّف الشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد - رحمه الله - كتاب (مزيل الداء عن أصول القضاء) وهو يدرس في المعهد العلمي السعودي بمكة؛ ولأنه كان يدرس التلاميذ قسم التخصص القضائي فكان هذا الكتاب الفريد من تأليفه وتصنيفه، حيث جمع بعض ما في كتب الحنابلة بأسلوب سهل، ويسّر للطلاب والتلاميذ قواعد وأصول القضاء، وهو من أوائل الكتب التي أُلّفت في علم القضاء بطريقة مرتبة، ولا شك أن طلبة العلم قد استفادوا من هذا الكتاب حينما صدر، فهو مختصر جامع لقواعد علم القضاء على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ويذكر المؤرخ حمد الجاسر أنه حينما تولى القضاء طلب من أستاذه ومعلمه وشيخه في المعهد العلمي السعودي الشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد أن يقرأ هذا الكتاب وطلبه من مؤلفه فأعاره إياه، ولا يزال الكتاب مخطوطًا، والشيخ عبدالله بن مطلق تولى القضاء في رأس الخيمة، لذلك لم يكن علم القضاء غريبًا عليه، فقد مارسه عمليًا ونظريًا حينما درس علم القضاء في المعهد العلمي السعودي بمكة، والكتاب طبع عام 1372ه في مصر -كما يذكر العالم العراقي على جواد الظاهر رحمه الله في موسوعته معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية. نقل وترتيب ومع أن كتاب (مزيل الداء عن أصول القضاء) قد أعده قبل هذا التاريخ بزمن ليس قصيرًا حينما كان يدرس التلاميذ في المعهد العلمي السعودي قبل تقريبًا 20 عامًا، إلاّ أنه لم يطبعه إلاّ في هذا التاريخ، وكان تكليفه تدريس التلاميذ عام 1352ه، يقول - رحمه الله - حول سبب تأليفه لهذا الكتاب ومنهجه فيه: «لما كلفت عام 1352ه بإلقاء دروس في أصول القضاء لقسم التخصص في المعهد العلمي السعودي في مكةالمكرمة، ولم يكن لدي تأليف مستقل بهذا الفن مختصر وأستعين بالله ثم به على ما كلفت به، اضطررت إلى أن أجمع مختصرًا مما هو متفرق في بطون الكتب مما له تعلق بهذا الفن وليس ينسب إليّ إلاّ النقل والترتيب فقط، وما عدا ذلك فالفضل فيه لله ثم للمتقدم، ولم أتعرض لذكر الخلاف خوف الإطالة التي تورث السامة، بل قد انتقيت من الأقوال ما هو مشهور المعمول به، متوخيًا ما قام الدليل على صحته، وقد وضعت عليه شرحًا يبين مغازيه - مقاصده - على حد المثل السائر صاحب البيت أدرى بما فيه، وستجد - إن شاء الله - أسماء الكتب التي صار استمدادنا منها آخر الكتاب» - من نبذة كتبها عبدالله العقيل عن الشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد-. ثناء جميل وعرض الشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد - رحمه الله - كتاب (مزيل الداء عن أصول القضاء) قبل طباعته على الشيخين المشهورين في وقتهما وهما الشيخ العالم محمد بن إبراهيم والشيخ العلامة عبدالرحمن بن سعدي - وهذا الأخير هو شيخ للمؤلف - فقد أثنيا على الكتاب ثناءً جميلًا، يقول الشيخ محمد بن إبراهيم عن الكتاب: «وقد وجدته وافيًا بالمقصود في بابه جاريًا على قواعد مذهب الإمام أحمد عند أصحابه، أسأل الله لنا وله التوفيق»، وقال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي عنه: «لقد كررت النظر في هذا الكتاب القيّم المسمى مزيل الداء عن أصول القضاء تأليف الشيخ الفاضل عبدالله بن مطلق الفهيد فوجدته قد جمعه من أصوله فأحسن جمعه وترتيبه ونوعه مفصلًا، فأحسن تبويبه وبذل مجهودًا كبيرًا في تهذيبه وتقريبه، فصار كل من يحب الوقوف على أصول أحكام القضاء مضطرًا إليه، فشكر الله سعيه وتقبل عمله وأحسن إليه، وقد جمل الأصل بالحاشية التي فصلت كلامه، وأوضحت مشكلاته ونبهت على مآخذه وازداد بها الكتاب بهجة إلى بهجة، وذلك كله فضل الله وتوفيقه». وكتبت عن الكتاب جريدة البلاد، ونص الخبر: «الكتاب الأول من نوعه جمع أشتات أصول القضاء ورتبها وشرح غامضها على قواعد مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه» - من كتاب (علماء نجد خلال ثمانية قرون)، وقد نشر الكتاب مرة أخرى واعتنى به الباحث أنس بن عبدالرحمن بن عقيل ونشرته دار عالم الفوائد، فالشكر له على هذا الصنيع. تأليف مدرسي والشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد - رحمه الله - من الرواد في التعليم النظامي في المملكة، بل هو رائد من رواد التأليف المدرسي؛ إذ إنه من أوائل الذين ألّفوا في المقررات الدراسية الدينية إن لم يكن أولهم، ويؤكد هذه الأولية والريادة في التأليف المدرسي المؤرخ حمد الجاسر -وهو تلميذ لابن فهيد - يقول: «وأسند إليه التدريس في المدارس الابتدائية في العلوم الدينية (التوحيد والفقه) عام 1348ه، فألّف لهذه الدروس مؤلفات قررت - مديرية المعارف - تدريسها في مدارسها وطبعت الطبعة الأولى بمصر، وهي أول كتب دراسية تؤلف ويعمم تدريسها، ثم طبعت في مطابع مكة وانتشرت، ثم أُسند إليه التدريس في المعهد الإسلامي السعودي -عرف فيما بعد بالمعهد العلمي السعودي - وضم أخيرًا إلى مدرسة تحضير البعثات - من كتاب (معجم المطبوعات)». وذكر الأستاذ محمد القاضي في كتابه (روضة الناظرين)، أنه صار يؤلف بعض المقررات للطلاب فيعمم تدريسها؛ منها «التهذيب والمطالعة»، فكنا بمدرسة عنيزة عام 1359ه وما قبلها نقرأ في المقررات من جمعه مطبوعة، وقد طبعت هذه المقررات القسم الثاني عام 1353ه بمكةالمكرمة بالمطبعة السلفية - كما في معجم المطبوعات في المملكة العربية السعودية، وقد استمر تدريس هذه المقررات في المدارس الابتدائية في المملكة قرابة 20 عامًا، وذلك أنها أول مقررات ومناهج تؤلف وتناسب المراحل الابتدائية قبل 80 عامًا، فالفهيد من رجال التربية والتعليم، ومن العصاميين الذين رحلوا من أجل طلب العلم، وأسهم بكل ما منحه الله عز وجل من علم وإمكانات في إفادة المرحلة الأولى في التعليم النظامي سواء كان تدريسًا في المراحل الابتدائية أو المعهد العلمي السعودي أو مدرسة تحضير البعثات، ولقد استهلك التدريس أكثر عمره وحياته، تخرّج على يديه كثير من الشباب في المملكة، ومن يقرأ تقريري عنه ممن بقي على قيد الحياة فسيتذكر ذاك الرجل الذي كان يقف أمام التلاميذ كل صباح أستاذًا للعلوم الدينية - ولعل مناهجه موجودة الآن في متاحف التراث بالمملكة أو عند المهتمين بالتراث التعليمي القديم-. والشيخ الفهيد كانت له رحلة طويلة في التعليم والتربية والتأليف المدرسي، ونقش اسمه في سجل الرواد في التعليم النظامي القديم، هو الآن قد رحل عنا بجسده منذ عقود وبقيت ذكراه الطيبة، ويستحق أن يطلق اسمه على إحدى المدارس في مراحلها الثلاث وليس بكثير على هذا الرجل المعلم الرائد، فهو قد عمل في أرقى مهنة وأجل وظيفة هي التعليم. سعة عِلم وعندما كتب الأستاذ المؤرخ حمد الجاسر سوانحه في المجلة العربية راويًا ذكرياته في المعهد العلمي السعودي كتلميذ ذكر فيه الأساتذة الذين درسوه ومنهم الشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد؛ حيث يقول: «والأستاذ الثالث هو الشيخ عبدالله المطلق - أي ابن فهيد - من عنيزة ويختلف عن الشيخين الشاوي والبيز - أحد أساتذة المعهد - بأمور منها طول ممارسته لمهنة التعليم واحتكاكه بأساتذة يدرسون هذا العلم ممن سبق له أن تلقى مبادئ طرق التدريس الحديثة فاستفاد منهم في ذلك بحيث اتجه إلى التأليف فيما يقوم بتدريسه بما يتلاءم مع فهم طلابه وإدراكهم». ويضيف الجاسر قائلًا: «كان الشيخ عبدالله من أساتذته - أي المعهد - فتتلمذ عليه خريجون تولوا القضاء في مختلف أنحاء المملكة في عشرات السنين من القرن الماضي، وكان على جانب قوي من كرم الأخلاق وسعة العلم ورحابة الصدر ومحبة تلاميذه، ويعد من أبرز رجال التربية والتعليم في المملكة، ومن أوائل من حاول السير في تدريس العلوم الدينية على الطرق الحديثة، وكان أبرز سجاياه السماحة والبعد عن التكلف والتعقيد في أخلاقه»، ويذكر الأستاذ الجاسر عن الشيخ عبدالله بن فهيد ناقلًا عنه مؤلف معجم المطبوعات: ثم لما أقيل - يقصد الجاسر نفسه - من ذلك العمل - أي القضاء - عام 1357ه كان له خير عون لإلحاقه بالبعثة السعودية بمصر، حيث دخل كلية الآداب في الجامعة وكان أول طالب سعودي يلحق بها - أي حمد الجاسر، فالشيخ عبدالله بن فهيد قد شفع أمام المسؤولين لأجل أن يدرس الأستاذ حمد الجاسر في مصر، وهذا مما يدل على كرم أخلاق هذا الشيخ ومروءته وطيبته وأريحيته الفذة والبخيل من بخل بجاهه. أعمال ووظائف والشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد - رحمه الله - قضى معظم حياته في التدريس والتعليم لكنه توظف في عدة أعمال، منها ما له صلة بالتدريس ومنها خارج التدريس، فقد تعين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بدايات استقراره بمكةالمكرمة، وبعث مع دعاة ومرشدين إلى مدينة أملج وحل المشكلات والقضايا التي تواجه الأهالي، وعُيّن مفتشًا بالمعاهد العلمية مدة من الزمن، وكذلك عُيّن مديرًا لدور الأيتام، واشتغل بالتجارة في مرحلة من مراحل حياته، لكنه لم يُخلق تاجرًا بل معلمًا لذلك ترك التجارة. وفي تاريخ الثاني عشر من رجب عام 1377ه ودّع الدنيا الشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد، وكان عمره 65 عامًا أفناها في طلب العلم والتدريس - رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى-. حمد الجاسر أشهر تلميذ للشيخ عبدالله بن مطلق الفهيد بالمعهد العلمي السعودي الشيخ محمد بهجت البيطار أول مدير للمعهد العلمي وأستاذ عبدالله الفهيد دروس التوحيد من تأليفه أيضا كتاب مزيل الداء عن أصول القضاء من تأليفه