انتشر مؤخراً تفاخر في الهدية دون أن يلتزم الإنسان بالحدود المعقولة لها أو يراعي القادر في هدية للغير قادر على ردها، وهذا بالمقابل يجعل غير القادر يندفع الى مبارزة القادرين مما قد يثقل عليهم ويضيقوا معيشتهم، وقد يتحملون في ذلك ديناً يطاولهم سداده لسنوات، وليس لهذا التفاخر أي مردود اجتماعي أو ديني يدعم وجوده ويدفع إلى استنساخه والمضي في انتشاره، بل إن المجتمع أصبح ينتقد من يبالغ في هدية ويثقون سلفاً أن فيها رياءً وسمعة. وقد حذرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي، يُرَائِي اللَّهُ بِهِ» والتوجيه الآخر الكريم منه صلى الله عليه وسلم قوله «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ، وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» وهو تأكيد على أن التفاخر في الهدية لا ينفع صاحبها بقدر ما يحرجه ويثقل عليه. ومما يبعث على المحبة والتقدير دوام تلك السجية بين أفراد المجتمع بمختلف الطبقات والفئات والأجناس ولكن في الحدود المعقولة والمقبولة، ومن المهم في الهدية ديمومة منفعتها للمهداة له والمهدي، وليس ثمة فائدة نجدها في درع يكرم به متقاعد أو مميز أو مستقيل ومودع ولا في سلة حلوى وباقة ورد لقريب أو صديق مريض تنتهي فائدتها وصلاحياتها خلال أيام معدودة، ولكن عندما تصرف قيمة الهدية إن قلت أو كثرت لوقف خيري يصرف ريعه على تحفيظ القران أو رعاية أيتام أو نظافة مساجد في الداخل أو على الطرق أو تطبيب مريض أو إعانة ملهوف أو مساعدة ابن سبيل منقطع أو كسوة فقير أو سقيا ضمآن أو إعاشة جوعان أو في بر ولد لوالده ووالدته وأخيه وأخته أو لمعلم ومعلمه وصاحب فضل وقدوة، تقديم وثيقة وقفيه تقدم بدوام الفضل والمعروف طالما أن الهدية من المعروف الذي يتطلع الناس لدوامه، وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال (كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تُفرغ من دلوك في إناء أخيك)، وسيبقى أثر ذلك على طرفي الهدية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وسنحقق في ذلك استدامة العمل الخيري وتناميه وتطوير برامجة وأنشطته ونحفظ المال العام والخاص وعدم صرفه إلا فيما يفيد ويحقق الأثر الجميل الدائم، وبه سنبني علاقة تواصلية نفخر بها ونفاخر بتنميتها، ويستطيع الراغب التواصل مباشرة بالجهات التي أطلقت أوقافاً خيرية مشاهدةً وصناديق وقفية استثمارية محوكمة ومراقبه من جهات رسمية موثوقة. ختاما.. يستطيع القارئ الكريم أن يقيس في محيطه القريب الرغبة والأثر بين الهدية التقليدية المعتادة وبين وثيقة وقفية يضع أجرها صدقة عن من يهديها إليه وعندها سيثق أن هناك أموالا قد أهدرت وذهبت دون أثر ودون فائدة له وللطرف الآخر ويقاس ذلك على أنه فساد للمال وإهدار له وعدم رعاية حقوق الله في مال الله الذي استرعانا فيه وسيحاسبنا عليه، وأين واقعنا من حديث المصطفى الكريم صلوات ربي وسلامه عليه (داوو مرضاكم بالصدقة) وبالحديث الآخر (كل امرئ في ظل صدقته) وهذا يؤكد ضرورة تغيير ثقافة الهدية وتحويلها من استهلاكية إلى تنموية ومن نفع آنٍ إلى نفع مستدام، والهدية الدائمة دون شك لها قيمة في النفس تفوق الهدايا التقليدية التي فيها إسراف وتبذير وعدم إدارة للمال كما يجب، وتنافي كذلك سياسة الادخار التي تسعى كل الجهات إلى أن تكون ثقافة عامة في المجتمع. عضو المجلس البلدي لأمانة مدينة الرياض عضو المسؤولية الاجتماعية بغرفة الرياض فهد بن أحمد الصالح