لم تكن أزمة الاستقدام في المملكة وليدة اللحظة، وإنما هي أزمة قديمة جداً، ولكنها تتجدد كل يوم، ضحاياها ملايين الأسر السعودية، التي كُتب عليها أن تدفع فاتورة الأزمة من أعصابها وتفكيرها، قبل جيبها، والكاسب الوحيد من الأزمة سماسرة الاستقدام في الداخل والخارج، الذين لا يرحمون كل ما يقع تحت أيديهم.ويمتد عُمر أزمة الاستقدام في المملكة، لعقود طويلة مضت، ترجع لعصر طفرة النفط في البلاد، وتوجه الأسر للاعتماد على الاستقدام، لتسيير أمور حياتهم في ذلك الوقت، وطيلة هذه الفترة، سمع المواطن عن مئات، بل آلاف الوعود بحل الأزمة من جذورها، ولكن في كل مرة الوعود تذهب أدراج الرياح، ورغم ذلك وهو الأمر المضحك المبكي ما زال المسؤولون يعدون بحل الأزمة، وما زال المواطن يصدقهم وينتظر.. تعسف الفلبين وعزا رئيس لجنة الاستقدام في غرفة الرياض «سابقاً»، والمستثمر في القطاع «حالياً» محمد آل طالب أسباب أزمات الاستقدام إلى أطراف عدة، منها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. وقال: «الوزارة تدير نشاط الاستقدام منذ عدة سنوات، وأرى أنها المسؤولة عن نجاحه وفشله، وهي مسؤولة أيضاً عن فتح الاستقدام من الدول المراد الاستقدام منها».وتابع آل طالب «أهم الدول المصدرة للعمالة، لا تزال متوقفة عن إرسال عمالتها المنزلية إلينا، وفي مقدمتها أندونيسيا وإثيوبيا، يضاف إلى ذلك أن المكاتب السعودية تعاني من تعسف حكومة الفلبين، التي تتعمد إيقاف تعاملها مع المكاتب السعودية لأسباب لا ذنب لها فيها».وتطرق آل طالب إلى مشكلة أخرى، وقال: «المكاتب الخارجية لا تلتزم بواجباتها تجاه المكاتب السعودية والمواطن، السعودي، وما يزيد الأمر تعقيداً أنه لا يوجد دور ملموس لوزارة العمل، لحل المشكلات والتحديات، في الوقت نفسه لا نبرئ بعض المكاتب، التي أرى أنها مسؤولة عن عدم مصداقيتها مع العميل، في مدد الاستقدام، التي تصل أحياناً كثيرة إلى 7 أشهر». الحلول المقترحة ويرى آل طالب أن العميل عليه مسؤولية كبيرة، تتمثل في عدم تأخير رواتب العمالة المنزلية، والتزامه بالعقد المبرم بينهما، خاصة أن عدم الالتزام ببنود التعاقد قد يتسبب في إيقاف المكتب المستقدم»، مبيناً أن جميع الأطراف مشتركة في أسباب استمرار الأزمة وبقائها». وقال: «القصص الناتجة عن الأزمة تتكرر كل يوم، لأن من يملك الصلاحية، لا يملك الخبرة، ومن يملك الخبرة لا يملك الصلاحية». وتطرق آل طالب للحلول المقترحة، ودعا إلى تشكيل لجنة للاستقدام، تحت مظلة جمعية حماية المستهلك، وأن يُعترف بها من قبل من وزارة العمل. وقال: «يجب أن تتكون اللجنة من خبراء في الاستقدام ومن أصحاب مكاتب ومواطنين مهتمين بالاستقدام، وممثلين من وزارة العمل». رفع الأسعار وتناول عساف العساف المستثمر في القطاع جانباً آخر من أزمة الاستقدام، قائلاً: «هناك أطراف مستفيدة من هذه الأزمة، تعمدت رفع أسعار استقدام الخادمات المنزليات على المواطنين، ومن هؤلاء الأشخاص المعنيون بإحضار العاملات من أماكن بعيدة لمكاتب التوظيف في البلد المعني، إضافة إلى ذلك، هناك كثير من العاملين في مجال الاستقدام في الدول المصرح بها، لا يعملون باحترافية، وهمهم الأول هو جني الأموال فقط، والضحية هو المواطن السعودي». وعن الطلب العالمي على العاملات المنزليات، قال العساف: «الطلب أكثر من العرض، بالإضافة إلى ذلك، يوجد في سوق الاستقدام منافسة حقيقية، وهو ما أسفر عن رفع الأسعار من قبل بعض المكاتب»، مشيراً إلى أن «كثيراً من الشركات تحاول خفض التكلفة، ووضع حدود لرسوم الاستقدام، وتتفق على ذلك، ولكن هناك من يرفع الأسعار من تحت الطاولة، وهو ما يتسبب في رفع التكلفة المالية على المستفيد النهائي، الذي يضطر لقبول أي سعر لحاجته الماسة للعمالة». ويقترح العساف تحديد رسوم كحد أقصى من قبل وزارة العمل، والتشديد على الجهات المعنية الالتزام بهذه الأسعار. وقال: «إذا وجدت تسعيرة ثابتة، فسوف ترضخ مكاتب الاستقدام في البلدان المعنية، وتخفض التكلفة، أيضاً حل مشكلة «مساند» وإضافة خاصية إنهاء إجراءات عدد كبير من العمالة المنزلية، والدفع والاختيار في وقت واحد، وليس كل عاملة على حدة». إندونيسيا والفلبين من جانب آخر، قال المختص في قطاع الاستقدام ريدان الضاوي إن «ارتفاع تكلفة العاملات المنزليات، ومُدد الاستقدام الطويلة في أحيان كثيرة، لا يخدم المواطن، ولا يتماشى مع القوى الشرائية، خاصة مع متوسطي الدخل». وقال: «هناك مخاطر عالية في الاستقدام من المكاتب، تتمثل في هروب العاملات أو مرضها أو إضرابها عن العمل، ومثل هذه المشكلات تحتاج إلى حلول عاجلة». وأرجع الضاوي ارتفاع الأسعار إلى طبيعة اتفاقات وزارة العمل مع الدول المصدرة للعمالة، وقال: «للأسف الشديد لا تملك المكاتب وشركات الاستقدام التحكّم في التسعيرة، ولا بد أن تقوم الوزارة بتسعير استقدام العاملات المنزليات في برنامج «مساند»، لأن من يتحكم ويتلاعب في الأسعار حالياً هي المكاتب الخارجية والسماسرة في الدول المستهدفة للاستقدام وفي ذلك تحد يواجهه المستثمر». واختتم الضاوي حديثه قائلاً: «الحكومة الإندونيسية لا تسمح للشركات أو الأفراد بالاستقدام، وبالتالي يكون ذلك عن طريق سماسرة يأتون بالعمالة من الأرياف والمناطق الطرفية هناك، بالإضافة إلى ذلك، أن الطلب العالي هو اللاعب الأساسي الذي يجبرك على أن ترضى بالأسعار المرتفعة، ويفتح مجالاً واسعاً للسماسرة»، مبيناً أن «أزمة الاستقدام هدفها تجاري بحت، ويمكن حل الأزمة بفتح أسواق استقدام جديدة، بالاتفاق مثل غينيا وكينيا»، مؤكداً أن «هناك طلباً كبيراً في السعودية والإصرار على التعامل مع أسواق بعينها، مثل اندونيسياوالفلبين، وهذا لن يعالج المشكلة».