يحكى أن فلاحاً قام بزراعة أرض واسعة حيث استدان فحفر بها بئراً وركب آلة السانية، ثم حرثها وبذرها، وأخذ يتعهدها بالسياقة والرعاية حتى نبت زرعها، وصار منظره مبهجاً يسر الناظرين، وذات يوم مرّ سرب جراد عظيم فبات فيها، فلما أصبح الفلاح ساء صباحه حين رأى مزرعته قاعاً صفصفاً، بيضاء مغبرة، ليس بها إلا مخلفات الجراد، فصار يقلب كفيه، وضاقت عليه الدنيا بما رحبت فكيف له أن يسدد الديون والالتزامات، فلم يكن أمامه إلا الهرب من بلدته خوفاً من الدائنين وطلباً للرزق، فسافر إلى بلد بعيد، وأخذ يعمل ويكدح.. وفي ذات يوم قابله صديق له من أهل بلدته، فسلما على بعض وتجاذبا أطراف الحديث، فقال له صديقه أين أنت، ولماذا تركت زرعك هناك؟ فضحك الرجل وقال: أي زرع تتحدث عنه وقد محقه الجراد محقاً، ولم يخلف إلا التراب والغبار؟ فقال له صاحبه اسمع ما أقول: فبعد هروبك بأيام ساق الله علينا السحاب، ونزل علينا الغيث، وأصبح المطر يتعهدنا يوماً بعد يوم وقد نبت كل شيء واعشوشبت الأرض واخضّرت الدنيا.. أما مزرعتك فقد نبت زرعها، وتفرع قصبها وطال سنبله واشتد على سوقه، وأصبح يسر الناظرين، وهو يوشك بعد أيام على الحصاد، فاترك ما بيدك، وعد إلى بلدتك ومزرعتك.. لم يكن الرجل يصدق ما سمع فانطلق من فوره إلى بلده ومزرعته، فوجدها فوق ما تصور، وفوق ما سمع من حديث الرجل.. ثم إنه بعد أيام شرع في حصادها، فأنتجت خيراً لم يكن يتوقعه، فسدد ديونه، وباع من قمحها الكثير، فكان ذلك سبباً في تجارته الرابحة فيما بعد. وقد أخذ الناس يعجبون من حكايته التي صارت درساً في مواجهة المصائب والأزمات، فليست كل أزمة تسبب ضرراً وشراً بل ربما عادت بالخير الكثير والرزق الوفير، وقد قال الله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم". وهنا قصيدة رائعة اسمها المنفرجة للشاعر التونسي محمد بن يوسف التوزري في القرن الخامس للهجرة من أجمل وأروع ما قيل من شعر في الأزمات ومطلعها.. اشتدّي أزمةُ تنفرجي قد آذَنَ لَيلُكِ بالبَلَجِ وظلام الليل له سُرُجٌ حتى يغشاه أبو السُّرُج وسَحابُ الخَيرِ لَهُ مطرٌ فإذا جاء الإبَّانُ تَجِي إلى آخر القصيدة المليئة بالحكم في مواجهة الحياة، والصبر الذي قد يورث فرجاً عظيماً.