بعد شرائه لقطاع لوزيانا، أرسل جفرسون بعثة لاكتشاف الغرب الأمريكي، ولمعرفة إن كان هناك ممر يصل للمحيط الهادي، الذي يبعد خمسة آلاف كيلومتر غرباً عن واشنطن العاصمة. إلا أن ظهور الذهب على ضفاف أنهار كاليفورنيا وفي جنبات سهولها، اختزل لزوم تتابع الأجيال وتعاقب السنين الذي تنبأ به جفرسون -كاتب الدستور والرئيس الثالث للاتحاد الأمريكي-، فوصل الذهب، غرب أمريكا بشرقها، خلال جيل واحد لا عشرات الأجيال. فقد كان الدافع المادي الملموس الذي صرف أمريكا بكل رجالها وعتادها وأموالها لبناء سكك الحديد لتصل الغرب بالشرق، أو المحيط للمحيط. وتزامن هذا الظهور مع الحرب الأهلية الدموية بين اتحاد الولاياتالأمريكية، لتنتج الحرب عن إمبراطورية الولاياتالمتحدةالأمريكية، مما كب عليها المهاجرون أفواجاً أفواجًا، كلما جاء فوج ابتلعهم الوسط الأمريكي، وكأنه حوت يبتلع فوج سمك صغير. هذا الانقضاض على الأراضي البكر وتحويلها لمزارع، لم يكن عدوانًا فقط على الهنود الحمر وعلى الجاموس الأمريكي، بل كان عدوانًا على التوازن البيئي في الوسط الأمريكي، أو المسطحات العظمى أو ما يُسمى الأرض غير المملوكة لبشر. وهي تقريبًا عشر ولايات يحدها شرقًا نهر المسيسيبي (أو النهر العظيم) ويحدها غربًا جبال الروكي (أي الصخري) العظيمة. وهذه المسطحات هي موطن العواصف وتقلبات المناخ. أراضٍ عشبية ممتدة على مدى النظر، وفرت الطعام للجاموس الأمريكي، فتكاثرت بعشرات الملايين وصارت طعام الهنود ولباسهم وسلاحهم وبيوتهم ودخلت حتى في طقوس دينهم. بدأ اختلال توازن البيئة في المسطحات مبكرًا. فقد غزت أسراب الجراد هذه المسطحات، فأكلت نصف المحصول الأمريكي. وقدرت أعداد الجراد بحدود ثلاثة تريليونات جرادة. وبلغ عرض هذه الأسراب نحو 160 كيلومترًا وطولها 1600 كيلومتر، وعمقها 800 متر تقريبًا، أي أنها كانت تطير بأسراب بحجم ولاية كولورادو (وفي مراجع تنقل ضعف هذه الأرقام). وقد امتد غزو الجراد للمسطحات نحو عشر سنين. وقد تزايد بداية حتى وصل ذروته عام 1874، ثم بدأ يتناقص حتى انقطع. فزراعة المهاجرين في المسطحات وفر الغذاء للجراد مما أدى لتكاثره وزيادة قوته. وثم استمرار الهجرة، قضت عليه، وذلك بتوسع أراضي استقرار المهاجرين، حتى شملت تدريجيًا أماكن تفريخ الجراد فقضت عليه. وقد اعتاد سكان المسطحات على تقلب المناخ، فسنة يأتي ثلج وبرد يقتل الماشية والمحاصيل كروزفلت الأول الذي وصل عدد قطيعه لأربعين ألف رأسًا من البقر، تكاثرت خلال سنوات، ثم ليفقده بالكامل، فيهلك كل القطيع خلال عاصفة ثلجية ضربت الوسط الأمريكي. وكذلك كان حال الجفاف، فسنة غيث يغيث العباد والبلاد وسنة مطر يغرق المحاصيل ويهلك المحاصيل، وسنة جافة فلا نبت ينبت ولا زرع يُحصد. وكان السكان وهم ملاك المزارع، يتعاملون مع كل هذه المتغيرات بالقبول والرضا، فقد كانوا شبه عبيد في أوروبا، لا يملكون أرضاً ولا منزلاً، ولا يحلمون بأكثر من فلاحة عند ملاك الأرض مقابل حفنة شعير أو قمح. وللحديث بقية.