بعد (ليلة بدر بن عبدالمحسن)، التي أبدعت فيها هيئة الترفيه في تكريم مهندس الكلمة تكريماً مستحقاً، طرح الأستاذ عبدالله حمود الرشيد سؤالاً جميلاً على متابعيه يقول: لماذا البدر مختلف؟ وهذا السؤال يُشبه الأسئلة التي تبحث عن ماهية الشعر أو الحب أو غيرها من موجودات الحياة الجميلة التي لا يمكن أن تجد اتفاقاً بين الناس عند الحديث عنها رغم اهتمامهم الكبير بها ورغم وجودها الضروري في حياتهم. من الطبيعي أن تأتي الإجابات مُتنوعة بين الإجابات الشاعرية المحمّلة بمشاعر الحب والإعجاب بالبدر الذي ارتبطت قصائده وأبياته بمراحل وحالات مختلفة من حياة عشاق شعره، وبين الإجابات التي يحاول أصحابها وضع أصابعهم بدقة على سمات وظواهر أسلوبية محّددة كان لها أثر إيجابي في تمييز تجربة بدر الشعرية عن تجارب شعراء آخرين. وأعتقد أن مكمن الاختلاف في تجربة بدر بن عبدالمحسن وأبرز ما ميّزها ومنحها القدرة على التأثير في المتلقين على مدى نصف قرن هو السعي المتواصل لكي يكون مختلفاً عن الشعراء في أسلوب نظمه وفي ابتكار صوره الشعرية في جميع الأغراض، حتى أضحى من المألوف انتشار عبارات سلسة أبدعها خارج سياقها الشعري مثل: «آه ما أرق الرياض» و»فوق هام السحب» و»ليت الشوارع تجمع اثنين صدفه»، و»يالله لا تقطع رجا كل مشتاق» وغيرها، إضافةً إلى أبياته الرائعة التي جرت مجرى الأمثال كقوله في قصيدة (ديمة): لو للزمن عن نيّة الغدر شيمة ما فرّق أحبابٍ ولا بعّد أوطان أو قوله في قصيدة (يا راحلين مناكيف): يا حظ من لا عرف من هو ولا شيف إن طاب يحمد، وإن تردّى بكيفه أو تلك الأبيات بالغة الجمال في فلسفتها وفي صدق لغتها كقوله في بيت فريد ختم به رثائيته في الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله: وليته لا رحل مثلك حفرنا في السحاب قبور وعشنا في رجا وسمٍ نشوفك في مخاييله أو قوله في بيت جميل جمع بين البساطة والعمق معبراً عن فلسفته في الرحيل: لا تظن المسافر من يسوق الرحول من وقف دون حلمه عاجزٍ ما رحل وثمّة أبيات وقصائد كثيرة تؤكّد للمُنصف اختلاف تجربة بدر بن عبدالمحسن وتميزها، فالبدر تاريخ طويل من الإبداع لا يمكن اختزاله في قصيدة واحدة أو في بيت مُحدد، كما لا يمكن عزو اختلافه وتميز تجربته الشعرية إلى سبب من الأسباب مهما بدا للمرء صحيحاً ومقنعاً. وهو بلا شك جديرٌ بكل ما يحظى به من تكريم وتقدير وحب نظير ما قدم.