ليس من السهل البحث وتتبع تاريخ وسيرة بعض الشخصيات التي شاركت مع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في توحيد هذا الوطن وبالأخص الذين ماتوا في المعارك أو توفاهم الله تعالى وفاة طبيعية في وقت مبكر قبل التدوين والاهتمام بتاريخ هذه الشخصيات، ولو لا جهود بعض الباحثين من ذوي هذه الشخصيات سواء كانوا أحفاداً أو من قرابات لما عرفنا هذه الشخصية أو تلك، وسبق أن كتبت عن البعض عن طريق جهود هؤلاء الأحفاد أو من ذوي الصلة بهذه الشخصية التي كادت أن تُنسى، بل قد نسيت عند الكثير، وللأسف فإن الذاكرة نسيت الكثير من هذا التراث ولم يبقَ إلاّ شتات متناثر في بعض السطور في الكتب، بل حتى الذين حفظوا أحداث وأخبار هذه الشخصيات قد رحلوا عن هذه الدنيا. والأستاذ الباحث محمد بن فهد بن نجيفان قام بترجمة عن شخصية جدّه لأمه القيادي عبدالرحمن بن سعد بن عبدالرحمن بن سعيد -بتشديد الياء- التي سوف نتحدث عنها، حيث تعلم في الكتاتيب القرآن، ولم يجزم الباحث ابن نجيفان في تحديد مكان ومسقط رأس جدّه وقيل في الرياض وقيل بالدرعية، وكانت أسرة آل سعيد قد نزحت من وادي الدواسر واستقرت في العارض ولا تزال بقية منها من أبناء عمومة القيادي عبدالرحمن بن سعيد موجودين في وادي الدواسر، والمقصود أنه تعلم في صغره القرآن الكريم على الطريقة التي كانت تتبع في مدارس الكتاتيب بالتعلم بالكتابة بالألواح الخشبية، ولعل ميلاد القيادي ابن سعيد أواخر القرن الثالث عشر الهجري، إذ قد يكون ميلاده ما بين 1293 – 1295ه، حيث أدرك نهاية الدولة السعودية الثانية. مدة طويلة وكان والد عبدالرحمن، سعد بن سعيد -رحمه الله- من حاشية الإمام فيصل بن تركي في المرحلة الثانية من حكمه،وهي المرحلة الطويلة التي امتدت ثلاث وعشرين سنة من عام 1259 حتى عام 1282ه، وقد عاصر هذه المرحلة الثانية المؤرخ النجدي عثمان بن بشر وكتبها في كتابه المشهور «عنوان المجد في تاريخ نجد»، والمؤرخ ابن بشر يعد الأول لتاريخ وسيرة الإمام فيصل بن تركي، إذ أنه عاصر المرحلتين من حكمه وقابل الإمام وكتب تاريخه في عهد الإمام فيصل، لكنه توقف عند سنة 1267ه، أي أنه كتب المرحلة الأولى من تاريخ الإمام، أماّ المرحلة الثانية لم يكتب فيها سوى ثماني سنوات فقط وأكمل باقي تاريخ الإمام فيصل المؤرخ إبراهيم بن عيسى في كتابه (عقد الدرر)، نعود لوالد القيادي عبدالرحمن، وهو سعد بن سعيد الذي كان من أخويا الإمام فيصل وليس من المستبعد أنه حضر مع الإمام فيصل بعض الغزوات، فغزوات الإمام كانت كثيرة، لذلك لا نستطيع التيقن في هذا الأمر لعدم وجود مصادر، لكن احتمالا قويا وقريبا من الظن الراجح في أنه قد حضر بعض الغزوات، ففي هذه المدة التي امتدت ثلاث وعشرين عاما من حكم الإمام فيصل كان سعد بن سعيد من رجال الإمام، فليس من المعقول أنه لا يحضر ويشارك في بعض غزواته، والإمام فيصل كان لا يختار من الرجال إلاّ الأشداء الأقوياء، وذكر ابن بشر -رحمه الله- بعضاً من مشاهير رجاله، ولعل وفاة سعد بن سعيد كانت قبل رحيل الإمام عبدالرحمن بن فيصل إلى الكويت. علوم رجال وعاش القيادي عبدالرحمن بن سعيد مع والده في بيئة فيها الحزم في الأمور والتربية على علوم الرجال واحترام الآخرين، وأن الكلمة حينما ينطق بها فهو مسؤول عنها، ومتى يقول نعم ومتى ينطق لفظة لا، هذا فضلاً عن فطرته الدينية، وهذا طبعاً غالب المجتمع النجدي؛ التربية على الأخلاق العامة سواء اكتسبها من الأسرة أو من المجتمع نفسه، وكذا الأخلاق التي وهبها الله إياه، ولما كان عمره صغيرا خاض أول تجربة في حياته، بل قد يكون أول عمل له في نضاله مع الدولة السعودية، إذ أنه صحب الإمام عبدالرحمن بن فيصل في ذهابه إلى الكويت واستقراره، وكان عمره حوالي الخامسة عشر تقريباً أو أقل قليلاً، ففي هذه السن الصغيرة رحل مع الإمام عبدالرحمن بن فيصل وأبنائه الملك عبدالعزيز وسمو الأمير محمد وبعض رجالات الإمام من أهالي الرياض، وبهذا كانت تجربة ليست بالهينة على القيادي عبدالرحمن بن سعيد، وهو في هذا السن، فالتجارب في الحياة هي المدرسة التي تعلّم وتربي على مصاعب الحياة والمعاناة التي يواجهها الشخص، ومكث ابن سعيد -رحمه الله- في الكويت طيلة عشر سنوات، فعرف هذا المجتمع الكويتي وطبعاً كان مجتمعاً صغيراً داخل السور، والمهم أنه عرف عن قرب الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- معرفة عميقة، وليس عمره أكبر من الملك عبدالعزيز بل إن الملك وابن سعيد متقاربان في العمر، وعندما استولى الملك عبدالعزيز على الرياض عام 1319ه كان القيادي عبدالرحمن بن سعيد بالكويت مع الإمام عبدالرحمن بن فيصل، هنا رجع الإمام عبدالرحمن بن فيصل ومعه أسرته ورجاله ومنهم القيادي ابن سعيد، وأصبحت الرياض مسكناً له، وكان يسكن في الحلة -كما يروي الباحث محمد بن نجيفان في بحثه عن جدّه- وقد تزوج من ابنة إبراهيم بن محذيف أحد الستين الذين دخلوا مع الملك عبدالعزيز، وأنجبت ابنه سعد وبنت، وتوفيت عام 1337ه، ثم تزوج بعد ذلك ثلاث زوجات -رحمهم الله-. رزقه الله عز وجل بسعد وعبدالله ومحمد، أمّا محمد فقد توفي شاباً رحمه الله، أمّا الباقي من ذريته فهم بناته منيرة، وهي التي كانت تروي بعض الذكريات والسيرة عن والدها عبدالرحمن واستفاد منها ابنها الباحث محمد بن فهد بن نجيفان في كتابته لنبذه عن جدّه -ختم الله لها بخير-، والابنة حصة لا زالت على قيد الحياة، وكذلك الابنة الجوهرة، هذه ذريته من البنات الذين لا زالوا على قيد الحياة وفقهن الله لكل خير، أمّا أبناؤه الذكور فكلهم انتقلوا إلى دار البرزخ -رحمهم الله تعالى-، هذه هي حياة القيادي الاجتماعية، وأحفاده من ابنه سعد كذلك موجودين -وفقهم الله-. قدرة على التفاوض وبعدما رجع القيادي عبدالرحمن بن سعيد من الكويت لم يتوقف نضاله مع الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بل شارك بنفسه وبكل ما يملك مع المؤسس وأعظمها النفس والجود بالنفس أقصى غاية الجود، وكما أن والده سعد قد شارك مع الإمام فيصل في غزواته فكذلك الابن القيادي عبدالرحمن بن سعيد شارك مع الملك عبدالعزيز أو مع أحد قادة الجيوش الذين كان يعينهم الملك عبدالعزيز، بدليل أنه كان مع الجيش الذي يقوده سمو الأمير سعود الكبير الذي كان ذاهباً إلى مدينة ينبع. وقال مؤلف كتاب (تاريخ ينبع) عن أحداث تولى عبدالرحمن بن سعيد لإمارة ينبع حينما سلمت المدينةالمنورة بجميع قلاعها وحصونها، وعلى أثر مكاتبة سرية بين حكام ينبع والأمير سعود الكبير دخل فجر يوم الأحد خفية إلى ينبع عبدالرحمن بن سعيد مبعوثاً من قائد الجيش السعودي إلى ينبع ونزل بدار الشيخ أحمد أبو بكر أبو طالب وتمت المفاوضة بينه وبين قائم مقام ينبع مصطفى بن محمد الخطيب وبعض الوجهاء على وقف إطلاق النار وفي صباح اليوم نفسه أوقف اطلاق النار وخرج وفد من ينبع لملاقاة الأمير سعود الكبير وتمت المفاوضات. وبالتأمل في هذا الخبر التاريخي نكتشف أن القيادي عبدالرحمن بن سعيد ذا موهبة في القدرة والتمكن في التفاوض مع الآخرين، والتفاوض والأخذ والعطاء مع القيادات أمر لا يحسنه ولا يتقنه إلاّ من اتصفوا بالدهاء والحكمة والحزم وسياسة الأمور والرسوخ في تجارب الحياة، ولو لم يكن عبدالرحمن بن سعيد لا يتصف بهذه الصفات المذكورة لما اختير للمفاوضة في شأن مهم وحساس في ذاك الوقت، وهكذا تظهر مقدرة الرجال عند المهمات الصعبة والمشاكل المعقدة، ولهذه الأمور رجالها، وفضلاً أن القيادي عبدالرحمن بن سعيد رجل محارب فهو شخصية كما قلت ذا قدرة على التفاوض. ومن الأشياء التي تحسب لابن سعيد لما كان أميراً على ينبع أنه عندما توقفت الدراسة قام -رحمه الله- بتشكيل لجنة لهيئة مدرسة ينبع الجديدة ورفعها فوراً إلى مدير المعارف آنذاك وقد عادت الدراسة فيما بعد، وقد أرسل خطاباً بذلك لمدير المعارف صالح شطا مخبراً إياه عن أسماء المعلمين الذين تم اختيارهم، فهذه من إنجازات القيادي عبدالرحمن بن سعيد حينما كان أميراً على ينبع، وهو بتجربته الحياتية أدرك أهمية التعليم في ذاك الوقت فبادر بحزم إلى الاستعجال بفتح أبواب مدرسة ينبع. مشاركة فعّالة وشارك القيادي عبدالرحمن بن سعيد في حرب الجنوب أو حرب اليمن، يقول عبداللطيف الحميد في كتابه (من رجال الملك عبدالعزيز إبراهيم النشمي): بعد تعثر المفاوضات مع إمام اليمن وإثارة القبائل الحدودية أمر الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بتحريك قوات سعودية في 6/12/1352ه باستعادة ما استولت عليه قوات الإمام يحيى، وجعل قيادة الجبهة الشرقية في حدود عسير الجبلية ونجران لسمو الأمير فيصل بن سعد بن عبدالرحمن والأمير خالد بن محمد بن عبدالرحمن ومذكر القحطاني وابن سعيد»... -انتهى كلامه-. ومن هنا تعرف أن القيادي عبدالرحمن بن سعيد له مشاركات فعّالة وحاضرة فليس بذاك الجندي المجهول، وفي هذه المعركة معركة الجنوب كانت له قيادة في هذه الجبهة ولو لم يكن يملك قدرة القيادة العسكرية لما عُيّن، ولكنه رجل قيادي من الطراز الأول وبهذا يظهر لنا مشاركة حينما ضمت جيوش الملك عبدالعزيز الحجاز، ولا يستبعد أنه شارك مع الملك عبدالعزيز عندما انطلق بعد استيلاءه على الرياض والمعارك التي بعدها، وينقل الباحث الفاضل محمد بن فهد بن نجيفان عن إحدى زوجات القيادي عبدالرحمن بن سعيد أنه طوال تلك السنين التي عاشت معه أنه لم يصم معهم شهر رمضان، سنوات عديدة لانشغاله في المعارك أو تولية بعض الإمارات القيادية. قيادة الإمارة وعندما ضُمت ينبع إلى حكم الملك عبدالعزيز، عين الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- القيادي عبدالرحمن بن سعيد أميراً على ينبع وهو أول أمير لها، وكانت سيرته حسنة مع أهالي ينبع يتحرى الخير والعدل -رحمه الله-، واستمر فيها أميراً حتى عام 1345ه، ثم عُيّن بعد ذلك أميراً على الجوف وذلك عام 1346ه واستمر أميراً لها حتى عام 1348ه، وتعين بعده القيادي المعروف إبراهيم النشمي، وبعد إمارة الجوف تولى إمارة وادي الدواسر عام 1354ه بعد وفاة أميرها حمد بن معمر وزاول مهام الإمارة بكفاءة وقدرة جيدة وحزم كما عرف عنه، ثم عُيّن بعد الوادي أميراً على المجمعة عام 1359ه، وهذا ما تذكره بعض الوثائق، وقد مكث في المجمعة وكان قصر الحكومة هو مقر الإمارة، وكان إمام القصر شيخنا المؤرخ حمد بن إبراهيم الحقيل -رحمه الله-، وقد سكن القيادي عبدالرحمن بن سعيد هو وأهله في هذا القصر مدة إمارته التي انتهت عام 1367ه –يعني كانت امارته ثمان سنوات في المجمعة-، بل هي آخر عمل قيادي وخدمة في هذا الوطن التي تعد حياة عملية وقيادية وتجارب ومواقف امتدت من الكويت وهو شاب صغير يافع حتى ترجل الفارس في هذا التاريخ، وقد مرض في آخر حياته وهو أمير في المجمعة ونقل على أثر المرض إلى الدرعية في نخلة في الظهيرة وتوفي فيها ودُفن فيها. صفات وشيم والقيادي عبدالرحمن بن سعيد مع ما عرف عنه الحزم والبأس وقوة الشخصية عُرف عنه الصلاح وحب الخير، فهو مستقيم في أخلاقه مع العبادة، يقول صديقه الشيخ عبدالله بن خميس -رحمه الله-: وكان ذا ديانة وانابه وإخلاص، ويذكر عنه قائم مقام ينبع مصطفى الخطيب الذي عرفه عن قرب وخبر سجاياه وشيمه حيث يقول: ابن سعيد على جانب من الأخلاق الطيبة وحسن الاستقامة، كذلك يُذكر عن القيادي عبدالرحمن بن سعيد أنه وصولاً للرحم، ويروي الأستاذ الباحث محمد بن فهد بن نجيفان أن جدّه ابن سعيد كان باراً بأخته التي لم ترزق بذرية حينما تزوجت ثم استقرت مع أخيها في منزله، وكانت معه في وادي الدواسر وهي اخته ساره بنت سعد بن سعيد وكانت في محل الروح بالنسبة إليه وكان يستشيرها دائماً، وكانت -رحمها الله- امرأة عاقلة وحكيمة وهو بها بار، هذه بعض السطور لأحد من خدموا الوطن بإخلاص وصدق. رحم الله عبدالرحمن بن سعيد، واعتقد أنه فاتنا الكثير من تاريخ حياته وسيرته، فلولا جهود الباحث محمد بن فهد بن نجيفان لما عرفنا شخصيته، فالشكر له على نبذته هذه عن جده فهو عمل حسن وممتاز، ويشكر ويذكر بالخير؛ لأنه أحيا أثر هذا القيادي الحازم الذي طوته الذاكرة، ولعل من يذكره أن ينفعه بدعوة صالحة تنفعه في قبره والدعاء هو أعظم ما نقدمه للميت. الباحث محمد بن نجيفان حفيد عبدالرحمن بن سعيد شارع باسم عبدالرحمن بن سعيد بمدينة الرياض قيل إن مسقط رأس ابن سعيد في الدرعية عُيّن القيادي عبدالرحمن بن سعيد أميراً على ينبع صلاح الزامل