"لا يوجد في الحقيقة شيء اسمه الفن، بل يوجد فنانون فحسب". بدايتنا صادمة مع المؤرخ والمفكر إرنست غومبرتش يقول: إن الفن شيء يخص المرء وحده، فالفن بذاته غير موجود، وترجع العيون لذكرياتها لتحكم على ما هو فن وعلى ما هو غيره، فقد يكون سبب إعجابك بلوحة ما هو تذكيرك بقصة بعيدة في ذكرياتك، أو أنها أعادت لك لحظة عزيزة على قلبك، "وما دامت هذه الذكريات تساعدنا على التمتع بما نرى، فلا ضرورة للقلق". * مشكلة الجمال واختلاف المعايير لوحتان لملاكين يعزفان العود يشرح بهما الكاتب قضية اختلاف المعايير، قائلًا: "إن مشكلة الجمال هي أن الأذواق والمعايير المتعلقة به تختلف كثيرًا"، فالملاك الأول من عمل ميلوتسو الإيطالي، يتجسد فيه الملاك بشكل مشرق وساحر، وتستطيع العين تمييز جماله من الوهلة الأولى، على عكس ملاك هانز مملنغ الذي يحتاج منا أن نتمعن بالنظر، ونطيل التأمل ليسعنا التمتع بجماله، "ولا شك في أن الذوق أكثر تعقدًا بما لا يقاس من الذوق في الطعام والشراب". هنا يشجعنا الكاتب أن نبدأ بتقبل الأسلوب غير التقليدي في التعبير، وعما تعودت أن تصوره لنا عقولنا وعندها تكون بدايتنا الحقيقية بالاستمتاع. نبذ العادات والانحيازات يدعونا الكاتب للتخلي عن جميع أفكارنا المسبقة ونسيان كل ما اعتدنا رؤيته بألوانه وأشكاله وكأننا للمرة الأولى نرى فيها العالم لتكون حتى "النظرة خاطفة من النافذة إلى الخارج مغامرة تُشعرنا بالنشوة"، ووصف عدم رغبتنا بالتخلي عن كل هذا بالعائق الأكبر لاستمتاعنا بالفن واختلافاته، فنحن دون أن نشعر نُدين غير المألوف، ونعيب على الفنان عدم واقعيته ودقته في عمله عندما يستخدم تفاصيل أقل أو يخرج عما ألفناه، وفي الوقت نفسه لا نستنكر عدم واقعية الرسوم المتحركة مثلًا.. فلماذا؟ هل يجب أن يكون الفنان أكثر واقعية؟ لأننا نرى الرسوم المتحركة بدون أي انحيازات وتصورات مسبقة عكس ما نفعل عندما نزور معرضًا للفن، كان هذا دفاع الكاتب عما سماه الفن الحديث. تحذير لقارئ هذا الكتاب! الفن كلمة مرادفة للحرية، عالم واسع ليست له حدود ولا قيود، يتجدد في كل زمن، والأعمال الفنية لا تموت ولا تذبل، وتختلف العين لها في كل مرة تتأملها، كلما زادت معرفتنا زاد تمتعنا به، هو "عالم مثير للمشاعر له قوانينه الخاصة"، والمعرفة فيه تنمي لدينا الإحساس الدقيق والنظرة الثاقبة بما يحاوطنا من جمال. يعطينا الكاتب تحذيرًا وقد يكون تنبيه لنا من أنصاف المعرفة، "وأود أن أكون صريحًا كل الصراحة بشأن الإغراءات، ويمكن لكتاب كهذا أن ينميها. فما أبتغيه هو أن أساعد على فتح العيون لا إطلاق الألسنة".