مثل حلم جميل يبدو لبنان دائماً في عيون معظم زائريه أو أولئك الذين يتوقون دوماً لزيارته، يرون فيه شيئاً مختلفاً عن باقي الأماكن يجعل وصفه صعباً في أي معادلة أو مقارنة. هل هي طبيعة الأرض، هل هي طبيعة الجو أم أنها طبيعة الشعب؟ تختلف الآراء حولها دائماً عندما توضع البدائل التي قد تبدو مشابهة لكنها تتوحد في الاعتراف بأن معرفة سر الافتتان به سيظل لغزاً! وفي الجانب الآخر يقف شعب لبنان، أهله وأبناؤه الذين بالرغم من حب الآخرين له وتوقهم لزيارته إلا أنهم على خلاف دائم معه، لم يعطهم الحب الذي أعطاه لزائريه أو أنه أعطاهم لكنه لم يكن كافياً لهم. عندما تطالع التظاهرات الشعبية في لبنان وتستمع لبوح الناس، لهموهم وآلامهم وعتبهم من خلال قنوات الإعلام والتواصل المختلفة تتساءل لماذا لم يستقم حال هذه البلاد الجميلة بالرغم من كل ما مرت به من حروب وبالرغم مما ساقه إليها شعبها من آمال وظنون. من المؤسف حقاً أن يكون لبنان جميلاً في عيون زائريه ورمزاً لكل ما هو جميل وراق لكل من هو خارج أرضه بينما ما يراه أبناؤه عن حاله على نقيض ذلك. اللبنانيون ينتفضون بمطالب شعبية يرونها حقاً لهم بعدما ساءت الأمور أمامهم وقست عليهم. تراكمات عدة أثارها قرار مستفز كان بمثابة المهيض لجروح شعبها الساكنة. وكأي شعب محتقن وغاضب وقف اللبنانيون أمامه لرفضه ورفض الواقع الذي كان معه وطالبوا بالتغيير. شعوب عربية أخرى سبقتهم منها من نجح في التغيير ومنها من انحدر في جرف حتى تهاوت معه مطالبه بالتغيير لحال من الفوضى وانعدام الأمن فسقط.. فليست كل الشعوب على نفس الدرجة من الوعي، هذا ما يقوله المنظرون عندما يسألون عن السبب. وماذا عساه يكون السبب إن لم يكن كذلك؟ هل يمكن أن يكون للتدخلات الخارجية دور، هل هي المطامع الاقتصادية أم أنها المصالح الاستراتيجية التي تتحكم في توجيه هذا الثوران قبل أن ينطلق من فوهة المدفع؟ لبنان هذه المرة ينتفض بطريقة مختلفة عنها سابقاً وعن الثورات الأخرى التي في أماكن قريبة منها أو بعيدة.. لم نرَ فيها الصورة النمطية التي عهدناها في الثورات الشعبية السابقة وما صاحبها من دموية أو فوضى. اللبنانيون ثاروا وانتفضوا بأسلوب مختلف ولا أحد يدري إن كانوا قد نجحوا في ذلك بتفتيت حواجز الأحزاب الطائفية التي تخنقهم أو إن كانوا تجاوزوها، أم أنهم بطريقتهم هذه قد فضفضوا بنكهة لبنانية خاصة ولم يغيروا، ليزيلوا عن عاتقهم عبء اللا مبالاة الذي اكتسبوه بعد أن فرقهم الفساد وتلاعبت بهم أنانية ذوي القلوب الكاذبة.