يروي الشيخ عبدالعزيز التويجري - رحمه الله - قصته بعد تقلده أحد المناصب الحكومية، حيث حرص على أن يرافقه صديقه الشيخ سليمان ليكون أحد مساعديه في المكتب، وفي أحد الأيام زار مراجعون مكتب الشيخ عبدالعزيز واحتدم النقاش مما دفعه إلى طردهم من المكتب.. وقتها انبرى له صديقه سليمان ناصحاً مستنكراً: "ماذا دهاك وماذا صنع فيك هذا الكرسي؟ هل رأيت نفسك على عباد الله؟ ما أنت هنا إلا لخدمتهم ولو لم تكن مستعداً لذلك فغادر هذا المكان ولنعد من حيث أتينا". وما كان من الشيخ عبدالعزيز إلا أن تدارك الموقف بحكمة، واجتمع مرة أخرى مع المراجعين وتم احتواء تلك المشكلة. وحالما غادر المراجعون المكتب، التفت نحو صديقه سليمان طالباً منه أن يجلس على الكرسي مكانه قائلاً: "لأنت أعلم مني وأريدك أن تجلس على هذا الكرسي.."، بطبيعة الحال رفض الشيخ سليمان الجلوس.. ولكن ما يعنينا في هذه القصة هو الآثار غير المحسوبة للكراسي والمناصب على أصحابها إن لم يحسبوا حسابها ويقاوموا سحرها.. مقالة اليوم تطرح مسألة المناصب وكوب الفلين.. أذكر في بدايات عملي لأحد المناصب الحكومية، نصحني أحد المسؤولين قائلاً: "لا تنس أسرتك وصحتك في غمرة انشغالاتك، ولا يغرنك هؤلاء الذين تجمعوا من حولك. لقد كنت في منصب آخر قبل هذا، وكان مجلس بيتي في العيد يكتظ بأمثال هؤلاء من أصحاب المصلحة والمنفعة، ولكن من إن تركت المنصب حتى انفضوا من حولي ولم يزر مجلس بيتي في العيد الذي يليه إلا ثلاثة وفي العيد الذي بعده لم يأت أحد..". ولا شك أن طريقة تعامل المرء مع مرؤوسيه قد تلعب دوراً في تحديد طبيعة العلاقة بعد مغادرة الكرسي.. وللتعامل مع هذه القضية من وجهة نظر أصحاب المناصب فأسرد القصة التي أوردها سايمن سينك لوكيل وزارة دفاع متقاعد في إحدى الدول الغربية، حيث كان وكيل الوزارة يلقي محاضرة في مؤتمر دولي وهو يحتسي القهوة ويبتسم، ثم سرد قصته للحضور بأنه شارك في نفس المؤتمر العام الماضي عندما كان وكيلاً للوزارة فسافر على درجة رجال الأعمال وتم استقباله بسيارة فارهة وقام أحد الموظفين بإنهاء إجراءات دخوله الفندق، وفي اليوم التالي دخل من الباب الخلفي لقاعة المؤتمرات وقدموا له كوب قهوة في كوب مزخرف من الخزف.. وبعد سنة وبعد أن غادر منصبه وتقاعد، شارك في نفس المؤتمر ولكن سافر على الدرجة السياحية، واستقل التاكسي من المطار، وأنهى إجراءات الفندق وحده، ودخل قاعة المؤتمرات من الباب الرئيس، ولما طلب القهوة أرشدوه لركن القهوة التي عبأها في كوب من الفلين.. ويختصر حكايته قائلاً: "الكوب الخزفي لم يكن لي بل للمنصب الذي كنت أتولاه، أما أنا فلا أستحق سوى كوب الفلين..". نعم، مهما كان منصبك أو كرسيك وبلغت امتيازاتك والحفاوة بك، لا تنس كوب الفلين!