ذهب إلى عمله، ألقى التحية الصباحية على زملائه، ثم جلس على مكتبه، وضع النظارة على أرنبة أنفه، وبدأ يطالع الصحف، وأخذ رشفة من فنجان القهوة، ثم قدم له سكرتيره سجل البريد، و «تقويم» العام الجديد الذي أرسله له صديقه مدير إحدى الشركات التجارية، نظر إلى «التقويم» قائلا: «ما هذا؟»، فرد عليه سكرتيره: «إنه تقويم العام الجديد».. خلع الأستاذ نظارته وحملق في التقويم مرددا: «هل العام الجديد.. بدأ ؟... إنها الأيام تمضي مسرعة، ثم وضعه على جانب طاولة المكتب دون أن يعيره أي اهتمام.. رن هاتفه واستمع إلى مكالمة قصيرة، بعدها تغيرت ملامح وجهه، وتجهم وألقى بالصحيفة من يده، ولم يكمل فنجان القهوة، وأدار الكرسي وذهب بفكره بعيدا، وهو ينظر من خلف زجاج النافذة، أنفاسه تتسارع، بدأ مرتبكا، وبدت برودة ماء البحر تتسرب إلى أطرافه التي وصلت إلى درجة التجمد، يفكر فيما حملته المكالمة الهاتفية من مؤامرة كبرى نفذتها من أعطاها المفتاح وائتمنها على النفائس.. ثم صاح بصوت مرتفع: «كيف تفعل ذلك هذه الخادمة ال ....، استغرب السكرتير تصرف مديره فدخل عليه قائلا له: «ماذا بك يا أستاذ ؟، وماذا فعلت الخادمة ؟»، و.....، فأدار الكرسي قائلا: «هل تصدق أن الخادمة التي نعطف عليها وآويناها طيلة هذه الفترة أشعلت الحريق في المنزل!، وقتلت الوليد، وبعثرت النفيس، وألقت بكل ثمين في صندوق القمامة، صمت وأخذ نفسا عميقا وأخذ يحملق في النافذة ثم نهض ليلملم أوراقه ليغادر مكتبه، فلحقه سكرتيره قائلا له: «ماذا أنت فاعل بهذه الخادمة يا أستاذ ؟».. رد عليه: «لا شيء فإن من تربى في الثرى لا يطيق حياة الثريا»،.. سأتركها لتتمرغ في الوحل كما كانت..