إن ذكرى اليوم الوطني ال89 هو بالتأكيد واحد من أهم أحداث التاريخ المعاصر في هذه المملكة إن لم تكن أهمها على الإطلاق. وهذا اليوم ليس مجرد ذكرى نحتفل بها، ولكنه يتجاوز هذا المفهوم بحيث يصبح «معنى وطنياً يجب أن يتم ترسيخه في نفوسنا، وتعميقه في ضمير هذه الأمة». فقبل 89 عاماً من هذا اليوم، قام رجل عظيم هو جلالة الملك المغفور له عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه بإعلان توحيد المملكة في أمة واحدة؛ ليعز بها الله العرب والمسلمين معاً. والحق أن الفعل الذي قام به هذا الرجل يجب أن ينظر له اليوم بمعيار التاريخ وبمعيار ما أصبحت عليه المملكة سياسياً واقتصادياً وإنسانياً أيضاً. وقد دأب المؤرخون والكتَّاب على التأكيد على حقيقتين أساسيتين في هذه الذكرى: الأولى: أن بطل هذه الجزيرة قد جمع قبائلها ووحد أشتاتها، واستطاع خلال ربع قرن على الأقل من الكفاح أن يحول التناحر إلى وئام والعداوة إلى إخاء والتباغض إلى تعايش وسلام، وقد مكن له الله سبحانه وتعالى في النهاية فاستطاع أن يوحد هذه الجزيرة في أمة واحدة ويعيد بهذا صفحة مجيدة من صفحات التاريخ الإسلامي العريق. والثانية: إن جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز قد استطاع أن ينشر العدل مرة أخرى في ربوع هذا الوطن، وذلك بأنه حقق السلام وبعبارة أخرى حقق الأمن لأول مرة بعد قرون طويلة من الفوضى والتمزق وغلظة الطبيعة وقساوة الصحراء. وهذا كله شيء جميل، ففي معيار التاريخ يكفي بطل هذه الجزيرة فخراً أنه وحَّدها وأنه نشر الأمن في ربوعها. ولكن النظر المعاصر إلى فعل هذا الرجل يتجاوز هذه المعاني المباشرة بما لا يقاس. فالحق أن هذا الرجل الملهم لم ينتقل بالمملكة من مرحلة البداوة إلى مرحلة الحضارة، ولم يتحول بها من عصر إلى عصر ولكنه أعاد البناء من جديد فصنع الدولة ثم صنع الإنسان. نعم لقد أعاد بناء الدولة العربية الكبرى، وكأنه يبدأ من حيث انتهى السلف الصالح. وفي إحدى الدراسات الغربية ما يؤكد هذا المعنى إذ قالت الدراسة بالحرف: «.. إن هذا الرجل العظيم بالفعل التاريخي العظيم الذي قام به يعتبر واحداً من أعظم عشرة قادة في القرن العشرين كله لأنه بعث أمة وأحيا حضارة وأقام دولة». وها هي هذه المملكة 89 عاماً تصبح على المستوى السياسي والاقتصادي إحدى القوى الكبرى في عالم اليوم. فقد أصبحت المملكة سياسياً قوة عربية كبرى، وفي زيارات قادة الشعوب الأوربية والأميركية والآسيوية ما يؤكد هذه الحقيقة، فهنا وزن سياسي ضخم في المحيط العربي أولاً ثم في المحيط الإسلامي ثانياً، وأخيراً في المحيط الدولي كله، وهذه قوة سياسية لم تكن موجودة بهذا الوزن إلا مع توحيد المملكة. أما على المستوى الاقتصادي فإن المملكة تعتبر واحدة من القوى الاقتصادية الكبيرة في عالم اليوم ولها دور مؤثّر في أمور المال والاقتصاد والطاقة ثم هي بسياستها المعتدلة والناضجة تعتبر ميزان القوس وسط عالم مضطرب بالسياسات والمصالح الاستراتيجية والعالمية. وما كان ليمكن أن يتحقق شيء من هذا بغير نضال جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز من أجل إرساء دعائم الدولة الحديثة، والانتقال بهذه المملكة من مرحلة البداوة إلى مرحلة الميلاد الجديد. على أن أهم ما ينبغي أن نعرفه في هذا اليوم الخالد «اليوم الوطني ال89» هو أن توحيد المملكة، ونشر العدل والسلام في ربوعها لم يكن فقط بناءً لدولة، ولكنه أولاً بناء لشعب. وهذا هو المعنى الإنساني العميق الذي لا ينبغي أن تغيب دلالته عنا في هذه الذكرى الخالدة.