في مرحلة الطفولة، كنت أشاهد فيلما (أبيض وأسود) تسجيليا، يعرض بين الحين والآخر في التلفزيون السعودي، يصور الملك عبدالعزيز آل سعود، وهو يقوم بفتح الرياض، وكان هذا المشهد يحيي داخلي الحماس الشديد. ولا يزال هذا المشهد راسخا في ذهني يحكي قصة الواقع الذي صنعه الملك المؤسس بتوحيده للمملكة، وتعزيز الوحدة واللحمة الوطنية، التي كانت قبل التوحيد غير متوفرة، حتى أصبحنا جميعا من الشمال والجنوب والشرق والغرب تحت راية واحدة ومسمى المملكة العربية السعودية، هذا الدرع المنيع والسقف الذي استظل به وتساوى تحت مسماه الجميع بلا استثناء. يقول الدكتور عبدالله التركي في كتابه «الملك عبدالعزيز آل سعود.. أمة في رجل»: «إن الملك عبدالعزيز كان نضاله كله منذ بدأ في شبابه الباكر تحت راية التوحيد، وهذه إحدى الخصال البينة التي تجمع الملك عبدالعزيز، والملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من حيث مسيرة النضال والكفاح في مستهل مرحلة الشباب». ويضيف التركي: «كان فكر الملك عبدالعزيز وطموحه يجاوز ما عليه الأمراء ورؤساء القبائل، وكانت نظرته أعمق وأدق إلى شبه الجزيرة كلها». وهو ما عايشناه في الأمير محمد بن سلمان، فهو صاحب نظرة ثاقبة وبعيدة الأمد. وبعد ظهور النفط، تمكن المغفور له الملك عبدالعزيز، العقل المؤسس للدول السعودية المتعاقبة حتى وصلت إلى الدولة السعودية الحالية في أقوى صورها، من نسج علاقاتها مع المحيط العربي والغربي، إذ حظي الملك عبدالعزيز بالاحترام لدى الغرب لحنكته. واستطاع توحيد المملكة تحت راية واحدة بإمكانات متواضعة وبإيمانه الكامل، وتصميمه على استعادة ملك آبائه، خصوصا أنه كان يملك ذكاء ودراية فطرية غير عادية. لقد كان لعبارة الملك عبدالعزيز وقع بالغ في نفس الرئيس الأمريكي روزفلت، عندما قال له الملك عبدالعزيز في موضوع القضية الفلسطينية: «لماذا لا تستقطعون للإسرائيليين جزءا من ألمانيا وتجعلوها وطناً لهم بدلاً من فلسطين العربية، ولقد فعل الألمان بهم، كما يدعون، الكثير مما يستوجب إقطاعهم بعض الأراضي الألمانية لإقامة دولتهم ولم يفعل بهم العرب الفلسطينيون شيئاً حتى تأتوا وتقوموا بسلبهم بلادهم». هذه الكلمات هزت روزفلت، ولولا وفاته ومجيء ترومان مكانه لما نجح التصويت بإقامة دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية. اليوم نحتفي باليوم الوطني، هذه المناسبة الغالية، استشعارا لعهود المجد واسترجاعا لفصول التاريخ العريق في توحيد هذا الكيان مسيرةً واستشرافاً لمستقبل يضاهي الدول المتقدمة؛ لتحقيق التحول في جميع الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية والصحية؛ ما يعد امتدادا للعديد من النجاحات التي حققتها المملكة إقليميا ودوليا، إذ تتجسد مع ملامسة حاجات المواطن وتحقيق النماء والازدهار والتطور للبلاد. 89 عاما مضت مشرقة بعزائم الكبار في المملكة، عزائم أحالت الجغرافيا المعقدة وصعوبة العيش إلى بلد يشهد التنمية والتطور والرخاء ويحقق النجاحات على كافة الأصعدة، ويبعث السلام والاستقرار والعطاء إلى كافة المعمورة. الشعب السعودي يستلهم في المناسبة الخالدة في قلوبهم توحيد الملك المؤسس للقلوب قبل أن ينجح في إتمام أعظم وحدة وطنية في القرن ال20، وقوده الإخلاص والحب والعطاء لبلاد مرت خلال العقود الماضية بتحديات، إلا أنها استطاعت بحكمة قادتها وحنكتهم تجاوزها، ونحن اليوم في عهد الملك سلمان أثبتنا أننا كدولة مسوؤلة نستطيع التعامل مع المتغيرات، وأكبر دليل نجاحنا في احتواء تداعيات الاعتداء الإرهابي الإيراني على معملي «بقيق وخريص» وعودة الإمدادات النفطية إلى سابق عهدها، وهذا كان أكبر اختبار للمملكة نجحت فيه بعزيمة الرجال. خلاصة القول إن الدور القيادي للسعودية في العالمين العربي والإسلامي والعالمي، الذي اكتسبته خلال العقود الماضية، هو نتيحة تعاملاتها كدولة مسؤولة تعمل وفق منظومة الشرعية الدولية. المملكة من الملك المؤسس حتى عهد سلمان.. حكمة في التدبير، وحنكة في التفكير.