عندما نقلب ورقة من التقويم فإنما نقلب يوما ذهب ويوما نستقبله، وعندما ينتهي التقويم بآخر ورقة فمعنى هذا نهاية سنة من أعمارنا واستقبال سنة جديدة، لها من تطلعاتنا النصيب الكبير، نستعين بالله في قادم الأيام ونأمل الخير. والذي نعرفه من الأيام أننا نفتقد في مناسباتها أشياء تعودنا أن نراها أو أشخاص كانوا معنا ثم غابوا، إما غيابا تاما أو مؤقتا. ولهذا قال الشاعر: مرت سنين وروحت كنها حلوم واقفت لنا بأصحاب وأيضا قرايب والحقيقة أن الزمن واحد وليس هناك فاصل وقت محدد في العمر لا يوم ولا سنة لكي نقول انتهينا أو بدأنا، أو أن هناك فارق هنا أو هناك، ولكن الحياة مليئة بالعلامات التي ننتبه لها بعد أن تنبهنا. كان أجدادنا في جد ونشاط طيلة العام لا يعني لهم أول السنة أو آخرها شيئا يذكر بالنسبة للعمل والاهتمام بمستقبلهم في الدنيا والآخرة، فأوقاتهم لا فراغ فيها مطلقا، وهذا هو الذي كان يميز تلك الحياة عن حياة الرخاء والاسترخاء. فالحاجة وإن كانت مؤلمة في زمنهم إلا أنها كانت سببا مباشرا في توجيه كل برنامجهم الحياتي دون اختيار ناحية العمل دون كلل وأخذ الحياة بمحمل الجد. ومع هذا لا بد من وقفة مع الأيام، فقد نظر إليها العقلاء، وترجم لغتها والتعبير عنها الحكماء والشعراء، ونبه لها أهل الفطنة، فجريان العمر وتعاقب الليل والنهار يأخذ الأعمار، والجديد تحول الشباب إلى القديم والشيخوخة، والعمر يجري وقد لا ينتبه له المشغول بدنياه إن لم يتنبه وينبه. فالشعراء على سبيل المثال، أجادوا في مجال التنبيه إلى العمر والتنبيه لمرور الأيام، وقل أن نجد شاعرا غفل عن ذلك، فالغالبية من الشعراء أشاروا للوقت والأمنيات ومرور الأيام وحذروا من فوات الفرص والغفلة. عبروا عن ذلك بأمنياتهم التي كانت ولم تتحقق، والتسويف الذي أخذ التطلعات، والحزن على ذهاب العمر ممن لم يدرك حاجته، بينما آخر يعلن شاعر عن غفلته أو ضعفه أو عجزه وربما زهده فيما تحتضنه السنين من فرص وكأنه يرى في ترك كل شيء راحة له. وهكذا تعددت الرؤى من قبل الشعراء حول الأيام ولكنهم يجمعون على أن العمر أثمن من أن ينشغلوا فيه بأمنيات متدنية، فنظرة الطموح العالية هي التي تقودهم لأن يقولوا شعرا ويعبروا عن شعورهم في مستهل كل عام جديد وانصراف عام مضى. يقول الشاعر عبدالكريم المحينيش: ياسرع الايام يوم تمر وتعدّي ساعاتها صارت اسرع من دقايقها فاتت عليّه وأنا ودّي ولاودّي مابين راحت عليّ وبين أبا الحقها شدّيت حيلي ورى الايام من جدّي طردت الاحلام لين ازريت احققها مديت يمناي وظروفي على قدّي وحلفت مااردها لو اتعلقها كديت لين الحديد انهار من كدّي تضحك لي الفاتنة وانا مصدقها ويوم انتبهت لمصير أبويه وجدي اخترت ربي عن الدنيا وبارقها من فتنة المال والدنيا هذا حدّي ما عاد اباها عسا الله مايوفقها دنيا الفنا كلها ما بيحت سدّي مدام رزق الخلايق عند خالقها ما همني لو تقف كل البشر ضدّي وانا العلاقات مع ربي موثقها وهناك من الشعراء من ينظر لتغير السلوم والعادات الحميدة ويخشى تهاون الناس بها مما قد يسبب تنافر الناس وتفرقهم بعد أن كانت تجمعهم الألفة والمحبة. يقول الشاعر خليف الوهيداني: مرت سنين العمر وقفت تقل يوم ومرت بها ظروف وحروب ومصايب مرت سنين وروحت كنها حلوم وقفت لنا باصحاب وايضا قرايب وايضا بها راحت تقاليد وسلوم ولايحترم فيه قريب وشايب ولاعاد به شرهة ولاعاد به لوم والحقد فيها صار ماهو عجايب فيها الرفيق اليوم كنه من القوم لاجيت يمه شفت منه الغرايب لاقابلك كنه على الوجه ملطوم وكنك عدو له بليا سبايب وعلى الرفيق يبين الكبر والزوم ومن الطغا ماينعرف له ذهايب نقلب ورقة التقويم فننقص يوماً من أعمارنا ناصر الحميضي