جيل الأمس اعتنى بالدرّاجة وعمل على صيانتها بنفسه.. واليوم تُستعمل لممارسة التدريبات الرياضية عبر قروبات خاصة بغض النظر عن الرفض الذي قوبلت به الدرّاجة الهوائية عند بداية ظهورها في بداية السبعينات الهجرية تقريباً أي منذ ما يتجاوز السبعة عقود، إلاّ أن الدرّاجة قد أبهرت الجميع عند ظهورها، فقد تعجب أحد الشعراء لما رآها -كانت في بداية ظهورها تسمى «السيكل» ولا تزال تسمى بهذا الاسم لدى الكثيرين الآن- وهي تسير على الطريق الرئيسي بمرات فقال: فز قلبي يوم شقت البسكليتي سايقه يحيى على سكة مرات فاستعملها البعض للتنقل فقط، أو العمل كساعي البريد مثلاً، أو الذهاب إلى المدرسة والعودة منها، أو لإيصال بعض الأغراض عليها، وبعد فترة من الزمن انتشرت بشكل كبير وألفها الناس، خصوصاً من الذين حاربوها في بداية ظهورها، فباتت تستخدم للتسلية وبالذات لدى الأطفال، كما أصبحت تستعمل أيضاً في التنقل وطلب الرياضة، وكانت الدرّاجة من أحب الهدايا التي تقدم إلى الطفل أو الشاب، وبالذات عندما تقدم كهدية للنجاح في المدرسة، وبعد أن ظهرت الكثير من المسليات وحصول الشباب على سيارات في عمر صغير، وانتشار الألعاب الإلكترونية التي باتت لا تفارق الكبار والصغار عبر استخدامها في أجهزة الاتصال، أو «الآيباد» قل الإقبال على اقتناء الدرّاجات بشكل كبير، وظهر في أيامنا هذه من يستعملها للرياضة فقط، وأصبح هناك «قروبات» خصوصاً بهواة قيادة الدراجات الهوائية للرياضة، بحيث يجتمعون في أيام محددة من الأسبوع يمارسون فيها رياضة المشي بالدراجات في بعض طرقات المدن أو في الحدائق والمتنزهات، وتعدى الأمر إلى قيامهم بقيادة الدرّاجات إلى مسافات طويلة، بحيث يتوجهون في كل أسبوع إلى أحد المحافظات القريبة من مدينتهم ويزورون معالمها الرئيسية ويقضون وقتاً ممتعاً قد يستغرق اليوم كله، فيقطعون عشرات الكيلومترات في سعادة وارتياح، كما تعدى الأمر ذلك إلى قيام بعض هواة قيادة الدراجات الهوائية بالسفر إلى الدول الخارجية بالتنسيق بينهم في «القروبات» التي أنشئت من أجل هذه الغاية وقضاء بضعة أيام يقطعون فيها مئات الكيلومترات مروراً بعدد من عواصم الدول. تاريخ البداية وعرف العالم الدرّاجات الهوائية منذ وقت مبكر، في حين أن بلادنا لم تعرفها إلاّ منذ ما يربو على السبعة عقود، فأول من اخترع الدراجة كوسيلة انتقال هو «الكونت دي سيفراك» عام 1790م، وكانت بسيطة جداً تتكون من عارضة بسيطة من الخشب تصل بين عجلتين، ولم يحدث بها أي تطور حتى عام 1818م عندما أتت البارون الألماني «دريز دي ساوربرون» فكرة العجلة الأمامية القائدة وتركيب مقود للدراجة، ولكن الثورة الكبرى في تطور الدراجة جاءت على يد حداد فرنسي اسمه «بيير ميشوا» الذي اخترع «الدوّاسات» وقام بتصنيع هذا الاختراع في عام 1861م، وبعد بداية شاقة جاءته الثورة والشهرة فقد أنتج 150 دراجة باع الواحدة ب150 فرنكاً ذهباً، ومنذ ذلك الوقت لم يتعد الأمر إدخال تحسينات عليها فاستبدلت العجلة الخشبية بأخرى حديدية، وفي عام 1875م أصبح الإطار المعدني مجوفاً بفضل «جيل تروفو» ثم غلف بالمطاط، وفي السبعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي ظهر طراز جديد من الدراجات يدعى دراجات العجلات العالية أو «بني فارذنج»، ولهذا الطراز عجلة أمامية عملاقة، وأخرى خلفية صغيرة، وقد وصل قطر العجلة الأمامية في بعض التصميمات إلى متر ونصف المتر، وتسبب كل دورة للبدالات في دفع العجلة الأمامية الكبيرة دورة كاملة، مما يدفع بالدراجة إلى الأمام مسافة كبيرة لكل دورة واحدة للبدالات، وفي حوالي عام 1885م، نجح صانع الدراجات الإنجليزي «جك ستيرلي» في الإنتاج التجاري لأول دراجة مأمونة لها عجلتان متساويتان، وهما تجعلان ركوبها أكثر سهولة وأمانًا عن سابقتها عالية العجلات، وبحلول عام 1890م كان للدرّاجات إطارات مطاطية مملوءة بالهواء المضغوط، وأضيفت في الوقت نفسه تقريباً «الكوابح الخلفية» وأذرع التوجيه قابلة للضبط مما زاد من شيوع الدرّاجات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، وفي بداية القرن العشرين تسبب التطور الهائل الذي حدث للسيارات، في انصراف كثير من الناس عن الدراجات. تركيب الدرّاجة وبعد أن انتشر استخدام الدرّاجة بين الشباب زاد الكثيرين بها ولعاً، وبات يعمل على إضافة العديد من العلامات لتمييزها عن دراجات الآخرين، وكانوا يسمون هذه الإضافات «زبرقة» أو «دندشة»، ومن ذلك إضافة قطع الإسفنج المستطيلة الشكل التي كانت تستخدم في غسيل الأواني في إطارات الدراجة في «جنطها»، حيث يوضع في كل كفر ثلاث أو أربع بلون أو ألوان متعددة، ووضع بوق «بوري» يدوي في «الدركسيون» ولمبة إضاءة في مقدمة الدراجة تضيء عن طريق شحن البطارية بكفر الدرّاجة عندما يدور خلال مشيها، كما يتم وضع «ريش» على جانبي «الدركسيون» وهي عصي بطول النصف متر تقريباً بها ريش أو أهداب بلاستيكية كالتي بالمكنسة اليدوية، وقد يعمد البعض إلى لف «شطرطون» ملون من النايلون على هيكل الدراجة، إضافةً إلى تركيب جرس يدوي وإلصاق بعض صور اللاعبين أو العبارات في أجزاء من هيكل الدراجة، أمّا عن أجزاء الدرّاجة فقد كان لها مسمياتها الخاصة لدى مستخدميها مثل: «الدركسيون» و»الوطايات» أي «الدعاسات» التي يطأها برجله من يريد دوران كفرات الدرّاجة لتسير، و»الجلاس» وهو المثبت في خلف الدراجة لمن أراد أن يردف خلفه أحد أثناء قيادة الدراجة، و»الجنزير» وهو الذي يحرك الكفرات لتدور خلال مسير الدراجة، و»اللستك» وهو المطاط الذي داخل الكفر الذي يملأ بالهواء، و»الملقاط» وهو ذراعي «الدركسيون التي ترتكز على الكفر الأمامي، و»الساعة» وهي التي تحيط بالكفر الخلفي ويركب بها «الجنزير»، و»الميل» وهو المسمار الذي يثبت كفرات الدراجة بالهيكل، و»المرتبة» وهي مكان جلوس الراكب على الدراجة. خبرة الصيانة وكان جيل الأمس يحفظ هذه الأسماء جميعها عن ظهر قلب ويعرفها تمام المعرفة حتى يتسنى له معرفة أي خلل في الدرّاجة ويبادر في إصلاحه بنفسه، أو يستعين بمن يفوقه خبرة في هذا المجال من إخوته أو زملائه، حيث كان الذي يتولى إصلاح الدرّاجة إذا حصل لها عطل الشباب الذين يمتلكونها أنفسهم، إذ لم تتوفر محلات للصيانة في ذلك الوقت، فقد اكتسب كل منهم خبرة واسعة في الصيانة من كثرة الأعطال التي يواجهونها ومن تجمعهم لتبادل الحديث عن قيادة الدراجة وطريقة صيانتها، وقد يتميز في كل مجموعة أحد منتميها بصيانة الدرّاجة فيكون شغوفاً في ذلك فيكون هو المرجع عن تعسر إصلاح العطل، ومن أكثر الأعطال التي كانت تتعرض لها الدراجة خروج «الجنزير» من «المكرات»، أو انقطاعه، وكذلك «البنشر» إذ يقوم الشاب بفك الكفر بنفسه وعمل رقعة ل»اللستك» ومن ثم إعادته وملئه بالهواء عن طريق «الطرمبة» اليدوية، وبعد أن انتشرت المحلات المتخصصة في بيع الدرّاجات الهوائية بعد الإقبال الشديد عليها بات أمر الصيانة ميسراً وغير مكلفاً عن طريق عمالة متخصصة مع توفر قطع الغيار أيضاً بأسعار مناسبة. اهتمام شعبي ونما ركوب الدرّاجات في الوقت الحاضر منذ بداية السبعينات من القرن العشرين بصورة متزايدة، كما ظهر الاهتمام الشعبي بركوب الدرّاجات في أجزاء كثيرة من العالم وسعيًا وراء الصحة الجسدية واللياقة البدنية، واختار الكثير من الناس ركوب الدراجات كنوع من التدريبات الرياضية، وقامت الكثير من المدن بتمهيد ممرات خاصة لراكبي الدرّاجات، سواء في الحدائق العامة، أو على طول الطرق، أمّا سباقات الدراجات فقد أصبحت هي الأخرى أكثر شعبية، كما تم إنشاء العديد من المجموعات التي تضم أعضاء يشاركون في التدريبات الرياضية والمشاركات الخارجية في السباقات والمبادرات، ومن أشهر هذه المجموعات مجموعة «دراجتي السعودية» التي أسسها عبدالله الوثلان وبات لها مشاركات متعددة ومبادرات، ومن أهمها المشاركات الدولية، وقد اختتم مؤخراً 25 دراجاً من المجموعة مشاركتهم في طواف أوروبا 2019م والذي نظمته المنظمة العالمية التطوعية لركوب الدراجات «GBI» لتحفيز الرياضيين للعمل التطوعي والخيري، بمشاركة أكثر من 400 دراج يمثلون 40 دولة من مختلف دول العالم، وقطع الدرّاجون في هذا المحفل الدولي مسافة 700 كيلومتر بدراجاتهم الهوائية من إيطاليا مروراً بالنمسا وختاماً بألمانيا، ويحمل كل فريق مشارك رسالة توعوية أثناء الطواف الأوروبي، حيث اختارت مجموعة «دراجتي السعودية» في مشاركتها الثالثة على التوالي رسالة سامية لدعم أطفال السرطان لهذا العام تحت شعار: «لن ننساكم» بهدف توعية المجتمع بخطورة مرض السرطان وأهمية الوقاية منه، ومن المجموعات الحديثة التي توالى تأسيسها مجموعة «دراجتي مرات» والذي أسسه د.صالح بن محمد السليم ويضم عدداً من المهتمين برياضة وسباق الدراجات، ويشترك أعضاء المجموعة في السباق المفتوح الأول للدراجات الهوائية والذي يقام تحت شعار «وطن الشموخ»، وتنظم لجنة التنمية الاجتماعية في محافظة مرات ضمن مبادراتها في تفعيل الرياضة المجتمعية في رؤية المملكة 2030 وتزامناً مع اليوم الوطني التاسع والثمانين حيث سيبدأ السباق بمسيرة وطنية جماعية لمسافة 3.5 كم ثم ينطلق السباق من محافظة مرات إلى أثيثية ثم ثرمداء ويعود مرة أخرى إلى محافظة مرات بمسافة 35 كم، وأخيراً فإنه وفي ظل تنامي انتشار استخدام الدرّاجات الهوائية في الرياضة فإنه من المؤمل من أمانات المناطق وبلديات المحافظات العمل على عمل أرصفة ومسارات خاصة للدرّاجات بعيداً عن خطر استخدام الطرق العامة المزدحمة بالسيارات التي تشكل خطراً كبيراً على أرواح سالكي الطريق من أصحاب الدرّاجات الهوائية. الدرّاجة الهوائية في بداية تصنيعها من ينجح في الزمن الماضي يستحق درّاجة تزيين الدراجة هواية جيل الأمس القريب استخدام الدرّاجة كوسيلة نقل الأشياء إحدى فعاليات سباق الدرّاجات