كنت أمارس رياضتي المعتادة المشي في إحدى الحدائق وفي يوم ً مشرق. كنت أشاهد رجلاً في العقد السابع من العمر، يغشاه الوقار يفتح عينيه ويبعد نظارته فتارةً يضحك وتارةً يستغرب وببن الفينة والأخرى أجده يطرب ويرفع صوت إحدى الشيلات (البغيضة). حفظت طقوس هذا الرجل الذي لفتت نظري طقوسه الجميلة؛ وبت دائماً أشتاق لوجوده اللطيف والبريء. لقد كان شبيهاً أو طبق الأصل من والدي -رحمه الله-. كنت أرى هذا الرجل من بعيد وأتخيل والدي -طيب الله ثراه- وتمنيت لو كان حقيقية. وفي إحدى المرات سِرتُ نحوه وكنت أبطئ الخطى لأرى ملامح والدي فيه فسبحان من خلق أربعين متشابهين؛ حتى تسريحة ونسفة الشماغ سبحان الله. المهم كنت أراقب هذا الكهل اللطيف في طقوسي اليومية. في أحد الأيام افتقد لشبيه والدي فغاب اليوم الأول والثاني ومر أسبوع وأنا لا أعرف من أسأل عنه وسألت عنه حارس الحديقة وطلبت منه في حال أتي هذا الرجل أخبرني ولكن مضى وقت قرابة شهر ولم يظهر؛ ولا أصادف شبيه أبي فتسمرت أمامه ولم أصدق فقد حسبته لاقى ربه تمالكت نفسي لأقترب منه وسلمت وقلت: سلامات يا والدي، طولت الغيبة عسى المانع خيرا؟ فأخبرني أنه مر بظرف صحي صعب لكنه الآن أفضل. وتجاذبنا الأحاديث والأشعار التي كان يحفظ منها الجميل والكثير. وعرفت أن الرجل يظل قلبه شاباً متّقداً وشغوفاً بالكلمة الجميلة والشعر العميق مهما تقادم عمره رحم الله والدي وحفظ الله لكم والديكم ودمتم بحب وسلام.