عاودت أسعار النفط خلال تداولات الأسبوع الماضي الولوج لمستويات أكثر ارتفاعاً عن تلك التي ظلّت ضمنها منذ بداية شهر أغسطس الجاري، حيث لامس خام الإشارة برنت ال61 دولاراً في تداولات الأربعاء الماضي، ما أعطى انطباعاً مريحاً بالأسواق النفطية، ينبئ عن الخروج من مراحل الضغط التي ألقت بظلالها على الأسواق بمستويات أعلى منذ بدء شهر أغسطس الجاري؛ نتيجة المستجدات في التصعيد بملف التجارة الذي تتقاسمه الصينوالولاياتالمتحدة الأميركية، وافتتحت الأسواق تداولات الأسبوع الماضي بنزعة تصاعدية جاءت مدعومة من تصعيد العوامل الجيوسياسية بمناطق الإنتاج التي تمثّلت في الحادث الإرهابي الذي تعرضّت له أحد مرافق شركة أرامكو السعودية مطلع الأسبوع الماضي شرق المملكة، استمرت معها الأسعار في اتجاه تصاعدي بطيء مقاوم للضغوط الواضحة التي حدّت من تحقيق المزيد من المكاسب عزز تأثيرها إعلان الحكومة الصينية نهاية الأسبوع بفرض المزيد من الضرائب الجمركية على الواردات القادمة من الولاياتالمتحدة الأميركية، الأمر الذي عاد بخام الإشارة برنت لما دون مستوى ال60 دولاراً، لذلك فأسواق النفط ليست بحاجة إلى أكثر من تهدئة النزاع التجاري بين البلدين لخروج الأسعار من نطاق 57 - 59 دولاراً، التي ظلّت تدور حولها منذ مطلع الشهر الجاري والعودة لأسعار يدور متوسطها حول ال65 دولاراً لخام الإشارة برنت، كما تظلّ الظروف الراهنة أكبر داعم لضبابية مستقبل الأسواق النفطية فيما تبقى من العام الجاري 2019م إلا أنه يمكن الاستدلال بمنظمة OPEC على مستقبل الأسواق النفطية في المدى القصير؛ لدورها المستمر في الحفاظ على اتزان أسواق النفط وتخفيف وطأة العوامل المؤثرة سلباً عليها، في المقابل من ذلك لا تزال منظمة OPEC وحلفاؤها في اتفاقهم حول مستويات الإنتاج تمثّل أقوى عامل دعم للأسواق، لا سيمّا أن معدلات الخفض الأعلى من الحصص المقررة للدول الأعضاء تتنامى شهراً تلو الآخر وقد جاءت كالتالي: سجّلت الدول الأعضاء في OPEC+ خفضاً أعلى من الحصص المقررة في يناير الماضي عند 238 ألف برميل يومياً، وفبراير عند 390 ألف برميل يومياً ومارس عند 511 ألف برميل يومياً، أي بمجموع خفض أعلى من الحصص المقررة في الربع الأول من العام الجاري عند 1,139 مليون برميل يومياً، أما الربع الثاني الماضي فقد جاء الخفض الأعلى من الحصص المقررة لدول OPEC+ كالتالي: في شهر أبريل عند 968 ألف برميل يومياً وشهر مايو عند 927 ألف برميل يومياً ويونيو عند 1,090 مليون برميل يومياً، وبمجموع خفض أعلى من الحصص المقررة لذاك الربع من العام عند 2,985 مليون برميل يومياً، أما شهر يوليو فقد كان الخفض الأعلى من حصص الأعضاء عند 1,236 مليون برميل يومياً. وتظل الإرهاصات الحالية المهيمنة على أسواق النفط التي تنبئ عن وجود نية ل +OPEC بدعم الأسواق النفطية النقطة الأهم لتوقعات مراقبي الأسواق، ما دفعهم إلى بدء قراءة الحصص السوقية ومتغيراتها، لا سيمّا حصص منظمة دول OPEC ومستقبلها في ظل القرارات التي تتخذها لدعم الأسواق كتخفيض مستويات الإنتاج أو تعميقه، إلا أن واقع الأسواق النفطية لا يعكس أية مخاطر فعلية على الحصص السوقية ل OPEC في المدى الطويل، فأي تناقص في حجم الحصّة السوقية لدول المنظمة ستعود تلقائياً دون جهود؛ فمعطيات أسواق النفط تشير إلى أن الزيت الصخري الأميركي أمام مستقبل غامض بحلول العام 2030م على الرغم من الحاجّة الماسّة لوجوده بالأسواق لتلبية الطلب العالمي على الطاقة، كما تنبئ المخرجات الأخيرة لتقرير منظمة OPEC عن عدم رضا المنظمة عن وضع الأسواق النفطية حالياً، وكعادة الأسواق فإن اجتماعات المنظمة التي تأتي أوقات الاضطراب وعدم الاتزان تقوم بمتابعة كافة حركات وسكنات المنظمة وكيف ستكون خطواتها القادمة، لذلك من المتوقع أن يكون الربع الأخير من العام الجاري 2019م أكثر استقراراً واتزاناً، فأي قرار دعم تقوم به المنظمة برفقة الحلفاء من خارجها سيكون دافعاً قوياً لتشكيل نطاقات سعرية جديدة للنفط في الربع الرابع من العام، كما تدرك OPEC أن استمرار الحرب التجارية وتصعيد ملفاته بين البلدين يعدّ تقويضاً لجهودها التي تبذلها منذ بداية العام الجاري في سبيل إعادة الفوائض النفطية بالأسواق العالمية إلى مستوياتها الطبيعية التي تحقق الأسعار العادلة بالقطاع، كذلك تحفيز الاقتصاد العالمي والاستثمارات النفطية، ويزيد من فاعلية تأثير اتفاق الخفض النفطي بين المنتجين من داخل وخارج منظمة OPEC نسب الامتثال العالية التي تمثّلها الدول الأعضاء بتجاوز مستويات خفضها للحصص المقررة، ما يعني أن استمرار الالتزام بنسب امتثال عالية من عدّة دول يعد تسريعاً لعملية التأثير في أسواق النفط، والنقطة الأهم في الأمر هي أن تراجع تأثير اتفاق الخفض النفطي في دعم مستويات الأسعار لا يلغي حجم التأثير، وإنما تحويل مساره من دعم الأسعار إلى امتصاص تأثير المخرجات السلبية على أسواق النفط جرّاء عوامل الضغط كالحرب التجارية الراهنة.