يبدو أن تلاحم الأسرة الواحدة وتكاتفها يحدده معيار القيم والأخلاقيات التي نشأت عليها تلك الأسرة منذ الصغر، ومن خلال الكيان العائلي الذي يعيش من خلاله الفرد في بيته وبين والديه، حينما يتعلم كيف يتعاطى مع إخوته وكيف يحبهم وكيف يقف معهم ويعي مفهوم الوحدة الواحدة، والشعور بالانتماء إلى كل فرد من أفراد الأسرة يحدد ذلك جميعاً مجموعة الأفكار التي تنبثق من قاعدة المحبة التي تجمع الأخوة وتوحد فيما بين قلوبهم، وبين جميع هذه القيم ومن خلال كل هذه المعايير تنشأ أسرة واحدة تقف جنباً إلى جنب في جميع المواقع المفرحة منها والمحزنة، إلاّ أن مثل هذه القيم يجب أن يتربى عليها الطفل الصغير منذ نعومة أظافره ويعتاد عليها كما لو كانت جزء من طبيعته، هذا ما أكد عليه الكثير من الأفراد والمختصين في شؤون الأسرة، حيث أوضحوا أننا نعيش في فترة زمنية أصبح هناك تباعد ملحوظ ليس فقط على مستوى العائلة الكبيرة، إنما من خلال الأسرة الواحدة الصغيرة وبين الأخوة، فحياة «التكنولوجيا» والتقنية والتسارع الكبير في نبض طبيعة الحياة شكلت نسيج اجتماعي -مع الأسف- بدأ يضعف كثيراً في الأعوام الأخيرة بفعل تغير النفوس وضياع المبدأ لقيمة الأسرة وترابط الأخوة، لذلك فنحن بحاجة إلى إعادة ترسيخ مثل هذه القيم والأخلاقيات فيما بيننا كمجتمع مسلم عرف منذ القدم بتكاتفه وتعاونه وترابطه في حين بدأت العائلة الواحدة تضيع في زحام الانشغال الذي ساد على المجتمع وغيّر من مفهوم العائلة الواحدة. عزاء وفرح وقالت رقية مرزوق -تعمل في المجال التقني الإلكتروني-: إن هناك تفككا بدأ يلاحظ على مستوى العائلات، ويظهر ذلك في مناسباتهم المتعددة كالأعياد والحفلات وربما غاب البعض عن الآخر ولا يلتقون إلاّ من خلال مناسبات العزاء والفرح الذي يجمعهم في مكان واحد لتبادل عبارات المناسبة ثم التفرق، فلا يرون بعضهم لبعض ربما إلاّ بعد سنوات، مضيفةً أن طبيعة الحياة الاجتماعية تغيرت كثيراً عن السابق، فوجه البساطة الذي كان يضفي الكثير من الدفء على البيوت لم يعد موجود إلاّ في مجتمعات قليلة ما زالت تعيش ذلك الترابط لا سيما في البيئات القروية الصغيرة، متأسفةً أنه أصبح الفرد يعيش داخل العزلة التي تحدد علاقاته بالآخرين وحتى إخوته ووالديه، فهناك من لا يتواصل مع أخيه إلاّ كل شهرين أو ثلاث، وربما لا يلتقيه حتى في الأعياد، وهذا نوع من القطيعة غير المقصودة، لكنها تحدث بحكم ضياع المبدأ الذي لابد أن يقوم على فكرة التواصل مع الأسرة الواحدة، مبينةً أن قنوات التواصل الاجتماعي قلّلت كثيراً من مساحة التواصل الحقيقي وأدخلته إلى جهاز التبريد الذي يحدد العلاقة برسالة أو بمقطع صوتي، وكأن هذا التواصل هو الأساس فيما بين الأسرة الواحدة. سوء فهم وأوضحت أنفال الضويحي -مختصة في المجال التعليمي والتربوي- أن هناك ضعفا في العلاقات الأسرية أصبح ملحوظا بشكل كبير، فالأخوة الذين خرجوا من بيت واحد وجمعهم أب وأم لم يعودوا كما في السابق من حيث الترابط فيما بينهم، متأسفةً أن أسباب الشتات هذا ليس بالضرورة أن يكون لأسباب اختلاف طبيعة الحياة التي تقوم اليوم على النبض السريع، إنما أحياناً كثيرة بسبب الاختلافات البسيطة التي تؤدي إلى سوء الفهم، والذي يجعل من رقعة الخلاف تكبر، فيبنى مع مرور الوقت الحاجز الذي لا يمكن كسره، مشيرةً إلى أن الكثير من العلاقات الأسرية التي ضعفت كانت ورائها خلافات صغيرة ليس لها قيمة، إلاّ أن هناك أطراف تشعل فتيل الخلاف بها فتكبر وتتحول إلى نار تشتعل وتحرق تلك العلاقة، مُشددةً على أهمية محافظة الفرد على المساحة التي تربطه بأسرته، حتى إن كانت تلك المساحة في حدود ضيقة ويبقى على التواصل، ففي التواصل إشاعة للمحبة والود، ذاكرةً أن هناك من لا يشعر بقيمة العائلة إلاّ حينما يقع في مشكلة أو يمر بموقف يحتاج فيه أن يقف الآخرين معه، لافتةً إلى أن هناك عائلة -مع الأسف- تتخلى عنك فتعيش الحياة وأنت مثقل بالتحامل عليها وهنا القطيعة الكبرى والحقيقية. حفظ القيم وأكدت سارة الحمود -مهتمة بشؤون الأسرة- على أنه حينما يتربى الأبناء على أهمية الأخوة وأنها أعظم العلاقات في حياة الانسان ولها حقوق وواجبات فأنها لا تموت ولا تضيع في شتات الوقت وتغير طبيعة الحياة الاجتماعية، والشاهد على ذلك الكثير من العلاقات الاجتماعية لأسر بقيت مستمرة في تواصلها محافظة على قيمة الوصل والتواصل فيما بينها، بل ولديها مشاريع وخطط جميلة لتنمية مثل هذه العلاقة الأسرية الواحدة، مضيفةً أن الحفاظ على هذا النسيج الاجتماعي في المحيط الصغير أو الكبير للعائلة يتطلب الكثير من التضحية ويستلزم قلوب منفتحة على بعضها لبعض نراها تتكاتف فيما بينها في موقف الشدة وتتظافر في موقف الفرح، لذلك فهناك أسر نجدهم يتعاونون لدعم ابنهم في موقف الفرح، بل إن هناك من يحمل عنه تكاليف الحفل، في حين يتحمل الآخر تكلفة عشاء الضيوف، فيما يقدم الآخر معونة لتأثيث بيته، ويستمر ذلك العطاء الذي يدل على التكاتف بذلك الشكل الذي يدل على عمق المحبة التي لم تأتي وليدة الصدفة، إنما نمت بداخل الأبناء منذ الصغر، مشيرةً إلى أن هناك عائلات عرفت بهذا النوع من التعاضد فيما بينهم، فيما عرفت الأخرى بتفرقتها، وللأسف أن الجميع لا يدرك أن مثل هذه الأخلاق تربى وتنمى بداخل الأبناء من الصغر فلا تتغير أو تضيع مهما تغيرت طبيعة الحياة الاجتماعية. في هذا الزمن الأغلبية مشغولون بواقعهم الافتراضي