على حين غفلةٍ وبلا أي مقدّمات أقنعُ بها وجدتُ نفسي على كرسيٍّ متحرك بشارعٍ مزدحم! وإنّها لفاجعة كُبرى أن يتغيّر حال الإنسان هكذا بلمحِ البصر، أحرِّك عجلة الكرسي فأسيرُ بتثاقل، لا تستطيع يدي الصغيرة مواجهته وتحريكه، بات أكبر من أي همّ أصابني قبل هذا اليوم، بات أكبر من حياتي كلها، فحياتي تضاءلتْ ولمْ تعُد تعني، لمْ يكُن الكرسيُّ عائقًا لوحده؛ بل نظرات الناس المغمورة بالشفقة والحزن أشدّ تنكيلًا؛ كان بودّي أن يسيروا مُغمضي الأعين كلهم، كلهم بلا استثناء؛ كي أتخفّف قليلًا من هذا الذي أشعر به، أراقب مَن حولي بصمتٍ شاحب، ثم وجدتني أصرخ كما لمْ أفعل يومًا، كما لم تجرِّب حنجرتي يومًا، لمْ تكن تلك الصرخة كفيلة بأن تقطع أحبالي الصوتية فهذا مجاز؛ في الواقع كانت كفيلة بأن تقطع عليَّ حُلمي وتوقظني من نومي، فكانت صرخةُ الخلاص. لا أبالغ إن قلتُ أنّ لحظة إدراكي أنّه حلم وليس حقيقة كانت من أجمل اللحظات التي عشتها في حياتي، حين أدركتُ قدرتي على المشي والحركة، قضيتُ اليوم كله والسعادة تملأُ قلبي، يومٌ نسيتُ به كلّ مشاكلي التي كانت تُبكيني وتُثقل كاهلي، يومٌ أعادَ لي ترتيب تفكيري من جديد؛ لأكتشف به أنّنا سنظلّ نرى الأشياء الصغيرة كبيرة حتى نرى الأكبر منها فتغدو وقتئذٍ لا تُرى بالعينِ المجرّدة، سنظلُّ نتذمر على أبسط المشاكل الروتينية حتى يحدث الأعظم ونشعر بالنعمة التي كنا بها ولمْ ندركها! كان جديرًا بذلك الحلم أن يريني أبطالًا لمْ أصوّب نظري عليهم سابقًا كما يحدث اليوم، كان جديرًا أن يريني كيف يجاهد البعض في سبيل العيش، بينما نتكدّر وننزعج نحنُ على أبسط الأمور! ليست البطولة أن تظهر بقوتك وقت الرخاء، البطولة تُسجَّل وقت الشدّة، البطولة هي قدرتك على التجاوز، قدرتك على رؤية الأسود أبيض، الظلام نور، الضيق سعة، الجُحر أفق، والنهاية بداية، البطولة هي أن تكون أقوى من آلامك وتتغلب عليها وألّا تتيح لها للحظة فرصة التغلب عليك، البطولة أن تنتصر على وخزٍ بداخلك يؤذيكَ بشكلٍ مستمر ويُطيح بهمّتكَ أرضًا! البطولة ألا تظهر بشكلٍ عاجز أمامه، فالعجز الحقيقي يكمن بالداخل، بالنظرة السلبية، والقناعة المتعسّفة بحقِّ نفسك. لمْ يكُن لديّ أي غاية من كتابة هذا المقال سوى فكرة واحدة سأقولها بشكلٍ واضح وصريح، إنّي أرجو مِن كل مَن يقرأ الآن، وليبلّغ مَن قرأ الذي لمْ يقرأ! رجاءٌ وحيدٌ وبسيط، والجميع قادر على الأخذ به بإذنِ المولى، فلن أُكلّفَ أحدًا بما يفوق طاقته، غيروا نظرتكم فحسب، غيروا نظرتكم وسيتغير معها الكثير، بتفصيلٍ أوسع، إذا وقعت أعينكم يومًا على شخصٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة، فلتكن نظراتكم وقتئذٍ نظراتُ فخرٍ بصبرهم وقوة تحملهم وتخطيهم للمصاعب، آمل ألّا تغرقوا أمامهم بالحزن الذي قدْ يُترجم أحيانًا إلى الشفقة، فتضروا بفعلكم ولا تنفعوا! تصرفوا بطبيعتكم وانسوا الحزن عند مقابلتهم، فقد حزنوا كثيرًا بمفردهم، وتجاوزوا الأمر بصعوبة بالغة، حين لم تكونوا معهم، ولم تشهدوا كل الذي حدث! فلا داعي أن تذكروهم بآلامهم وتفتحوا جروحًا كادت أنْ تلتئم، أو ربما تكون -برحمةٍ من اللهِ- قد التأَمت. والسلامُ على مَن حاربَ آلامه ونظرةُ الناس وتغلّب عليهما، السلامُ على مَن دخل حربُ الأقوياء وانتصر فيها.