عرفة وعرفات، قيل هما بمعنى واحد وكلاهما يدل على المكان الذي يجب وقوف الحاج به، وعلى الزمان الذي هو اليوم. وقيل: إن عرفات اسم للمكان، وعرفة اسم لليوم. وعلى كلٍّ: فعرفة اليوم من أعظم أيام السنة للمسلمين في كل أقطار الدنيا، ولذلك جاء الترغيب في صيامه في قوله صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده) مسلم. وعرفة المكان: حيث يقف الحجاج هناك على صعيد عرفات في التاسع من شهر ذي الحجة، مؤدين بذلك أعظم أعمال الحج، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (الحج عرفة). "السنن وأحمد" فهو ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به. وهو - أي الوقوف بعرفة - من أعظم المواطن في الحج التي يشعر فيها الحاج بقربه من ربه، وكأنما يملك سبباً في ذلك الموطن يصعد به إلى جنات النعيم، مستشعراً رضا الله تعالى والشوق إليه؛ كيف وقد أقسم الله تعالى به دلالة على شرفه في قوله تعالى: (والشفع والوتر). قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الوتر يوم عرفة، والشفع يوم الذبح". وهو اليوم المشهود المذكور في سورة البروج، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة" الترمذي. وهو - أيضاً - يوم المباهاة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي هؤلاء جاؤوني شعثا غبرا". وهو يوم العتق من النار كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء) مسلم. وهو يوم الغفران كما في قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله تطول عليكم في جمعكم هذا، فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ادفعوا باسم الله" ابن ماجه. وتصور عبر السنين والقرون والأجيال كم من الحجاج وقف على هذا الثرى الطيب الطاهر؟! وكم رفعت من دعوات؟ سألوا ربهم متضرعين ملحين، طامعين، واثقين بفضل الله تعالى. هناك وقف النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ما زالت الشمس، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس. قال ابن المبارك جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فالتفت إليَّ فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ فقال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم. ووقف الفضيل بن عياض العالم العابد بعرفة، والناس يدعون، وهو يبكي بكاء الثكلى، ويدعو ربَّه دعاء شديداً، فلما كادت الشمس أن تغرب رفع رأسه إلى السماء، وقال: واسوءتاه منك وإن عفوت! فلاحظ عظم الحياء من ربه الذي هو من أعظم مقامات الإيمان. على عرفات قد وقفنا بموقفٍ به الذنب مغفور وفيه محوناهُ