بين الطبيعة وأجواء الفلاحة قضت القاصّة وفاء الحربي جلّ طفولتها، بسبب امتلاك والدها -رحمه الله- مزرعة عانقت وجدان الطفلة الصغيرة، حيث تركت تلك المرحلة أثراً واضحاً من خلال الإدراك المبكر والتمعن في ما حولها كالبذرة والغرس والنمو والحصاد، المراحل التي شدت انتباه وفاء منذ الصغر، ونتيجة لذلك أدركت القاصّة أن لا شيء يأتي من العدم، الأمر الذي تراه ينطبق على القصة حيث بدا ذلك جليًّا في نتاج الحربي المتأثرة بالمزرعة، التي ترى أن فكرة النص بمثابة البذرة، والوعاء في دور الكلمات، وثم الحصاد الذي يأتي في نص محكم بجمل قصيرة. نشأت الحربي في عائلة أحبت الكتب والتعمق في عالم الثقافة، حيث سبب انشغال إخوتها في القراءة بعيداً عن ملاعبة الأخت الصغيرة التي لجأت أخيراً إلى المطالعة وإن لم تكن تفهم بعض مصادر المعرفة في بادئ الأمر حتى أصبحت العملية أكثر سهولة وأضحت القراءة عادة يومياً، ورغم ظروف الحياة إلا أن مطالعة الكتب لا تزال جزءا يوميا عند القاصّة السعودية. تمتلئ دفاتر المؤلفين في البدايات بأعمال أدبية يخطّها القلم على خجل، وترى الحربي أن النصوص الأولى لا ينبغي أن تنشر بسبب أنها عبارة عن محاكاة لكاتب أو نص مفضل، ما يعني اجترار كلمات وأفكار علقت في الذاكرة وعلى الكاتب أن يتخطاها حسب ما ترى، للبحث عن هوية تُمثله. بالنسبة إلى أعمالها الأولى وصفتها بالمتفاوتة في الجودة، بينما المعظم منها منشور في مجموعتها القصصية «احتراق الرغيف، النهاية المأساوية لسيرة السنبلة». تعد انطلاقة وفاء التي كانت بمثابة إعلان بزوغ كاتبة في عالم القصة بمنتصف عام 2013 حيث قرأت قصة بعنوان «أخي» للكاتب الإسباني «رافاييل نوبوا». شعرت حينها بالسهولة الممتنعة في ثنايا النص، وتحت تأثير الانبهار كتبت قصة «لا تغسل وجهك» التي نالت إعجاب المتابعين على المنصة العالمية «تويتر»، أما عن النضوج في عالم الكتابة ترى الحربي الأمر من زاوية مغايرة حيث إن النضج في قاموسها يعني النهاية، الثمرة الناضجة على حد قولها تصبح ثقيلة فتسقط من على الغصن، ولا تريد السقوط، لذلك تريد الكتابة تحت تأثير الفكرة. لم تطمح وفاء أن تملك أعمالاً مطبوعة، لإيمانها الشديد بأن خطوة تأليف الكتب تحتاج مرحلة من التطور لم تصل إليها بعد، في حين، طبعت مجموعتها القصصية الأولى لحفظ الحقوق، ورغم ردة الفعل الإيجابية على أعمالها إلا أنها تراها غير مرضية نظراً لكثرة النتاج الأدبي في الأعوام الأخيرة، بالإضافة لتشتت القراء.