عندما يتخذ الإنسان صديقاً له؛ لا يسعى له بصفة المؤانسة وحسب، وإنما قوة العلاقة الأخوية، فإذا كان صديقك صاحب أنس وفكاهة ولكنه تنقصه الحكمة، فهذا ليس خير الأصدقاء، فخير الأصدقاء الذي يشاركك الأحزان وتجده ناصحاً لك في كل أزمة تمر بها. فهذا جوهر العلاقة الأخوية التي لا بد أن نتخذها دستوراً في حياتنا ومنهجاً نعلم به أبناءنا. فربما عدوٍ خير من ألف صديق، فالعدو يظهر ما يبطن، أما الصديق قد يظهر لك المودة ويخفي الحسد والحقد. غايتنا البحث عن جوهر العلاقة الإنسانية؛ فإن وجدها المرء أدرك ضالته التي ينشدها منذ فترة طويلة. ولا تستقيم العلاقات لمجرد الراحة النفسية للطرف الآخر، فالنفس متقلبة دوماً فهذه الأخيرة لا تهدأ إلا تحت ظلال الأخلاق الحميدة، فكلما كان الآخر خلوقاً وصاحب مبادئ ازدادت علاقاته الإنسانية. وهكذا تتسع دائرة العلاقات بين الأصدقاء ومن ثم بين العائلات، أي أن الموضوع يتسع اجتماعياً بفضل الأخلاق والمواقف النبيلة. وأيضاً يكمن دور أهمية الحوار بجانب الأخلاق في المجتمع الإنساني من أجل الترابط والابتعاد عن الغل والحسد ونبذ الكراهية بين النفوس. والإنسان بعادته منذ بزوغه على هذه الأرض يحب ما يريد ويكره ما لا يطيقه، خاصة إن كان هذا الشيء سيئاً مثقلاً عليه. لهذا يكمن دور الحوار في تأسيس التعايش بين الفرق المختلفة أو بين الإنسان والآخر. ولا يسبق هذا الحوار إلا الأخلاق الفاضلة وحسن الخلق في التحدث مع الآخرين، فهذا الشأن ينتج لنا حواراً ناجحاً ومن ثم الرضا والقبول من الطرف الثاني، فمهما يكن الاختلاف؛ فلن نجد خلافا وحقدا، بل سيكون التعايش أُسس على قاعدة ومنهج من المحبة والإخاء، وبهذه الأساليب نتجنب التطرف والكره من حياتنا. هكذا الإنسان يختلف اختلافاً كاملاً عن بقية المخلوقات، فلديه ذاكرة لا تنسى المواقف الجميلة والمواقف السيئة، فالجميل في بني الإنسان يستطيع أن يُحسن تصرفاته والتعود عليها ثم التطبع في أخلاقه حتى يغدو إنساناً مختلفاً عن سابقه. لكن ماذا عن الإنسان الذي لا ينسى من أساء له بعدما جاء إليه الطرف المسيء واعتذر له، هل يرتكز الموقف في ذاكرته والكراهية تبقى في قلبه؟! فإن صفح وسامح فذلك هو الإنسان النبيل الذي يملك جوهر الأخلاق العالية، فإن وجدته فتمسك بصداقته، وكن معه نبيلاً كما هو مع الآخرين.