الاختلاف الأيديولوجي بين إدارة ترمب ونظام الملالي حول واقع الأزمة وسع الفجوة وأصل الاختلاف، فبحسب مفهوم قيادة الملالي الحرب بدأت منذ انسحاب أميركا من الاتفاقية وبدء الحصار الاقتصادي غير المسبوق، والذي من شأنه إسقاط النظام مالم ترضخ إيران للمطالب الأميركية. وتصريح مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي قال فيه: «إنه إذا رغب الرئيس ترمب في وقف الحرب، فعليه أن يخفف العقوبات» شاهد على هذه الواقع. الإشكالية تكمن في أن الطرف الإيراني على قناعة بقدرته على المقاومة وقلب الطاولة لصالحه، وخير شاهد على ذلك فشل الوساطة اليابانية الذريع. وفقاً لهذه القناعة فإن إيران اختارت دفع الأزمة في اتجاه حافة الهاوية، ولن تكون حادثة إسقاط طائرة درون الاخيرة! فالحرب بدأت وإيران قادرة على خوضها -كما يعتقد نظام الملالي المتنمر- وسيستخدم كل ما هو متاح، بما في ذلك أذرعها في الخارج -كما هو الحال مع ميليشيات الحوثي في اليمن- لإلحاق الضرر بالطرف الأميركي، وبحلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة. فكيف يمكن للرئيس ترمب التعامل مع هذا الواقع وهو مازال يعتقد أن الحرب لم تدق طبولها بعد؟! الرئيس ترمب رجل دبلوماسي - على عكس مايصوره الإعلام- يؤمن بعقد الصفقات وخيار السلم، فمن خلال ردة فعله يتضح بشكل جلي أن ترمب مازال يعول ويبعث علانية برسائله إلى الإيرانيين، عسى أن يكون بينهم رجل رشيد، لكن الواقع الإيراني يقول إن من يسيطر على المشهد السياسي والقرار العسكري في إيران هم مسعري الحرب أمثال المرشد خامنئي وحسين سلامي وقاسم سليماني، وهذه المحاولة لم تكن الأولى لترمب لتحريك الجبهة الداخلية، فقد أيّد المتظاهرون الإيرانيون بشكل علني وغير مسبوق في يناير 2018 عبر حسابه على تويتر بقوله: «أحترم الشعب الإيراني وهم يحاولون استعادة حكومتهم من يد الفاسدين، وسنقدم دعماً كبيراً من الولاياتالمتحدة في الوقت المناسب!». ولكن ذهب هذا الدعم اللوجستي أدراج الرياح ولم يحقق أي إنجاز في الداخل الإيراني. من الخيارات التي يعول عليها ترمب للخروج من الأزمة هو الدور الأوروبي ومجلس الأمن؛ نظراً للعلاقة العميقة بين دول الاتحاد الأوربي وإيران، وعلى وجه الخصوص فرنسا، لكن يجب على ترمب أن يكون حذراً؛ فالمقوم الوحيد لهذه العلاقة هو خضوع الأوربيين لشروط إيران من أجل حفنة من المكاسب الاقتصادية، وأكبر شاهد على ذلك الاتفاق النووي الإيراني المخزي الذي نقضه ترمب وأشعل فتيل الأزمة الحالية، والشاهد الآخر هو غض طرف الأوربيين عن تغلغل الفرس داخل الدول العربية؛ الأمر الذي أوقد نار الفتن والصراعات وعطل التنمية وأفقر شعوب المنطقة وشردها. الرئيس الأمريكي ترمب باتفاق الجميع - بما في ذلك أعدائه داخل أميركا - يملك أُسلوباً مختلفاً عن من سبقه من الرؤساء، وحقق نجاحات بارزة في التعاطي مع الدول العدائية ذات القيادات غير السوية، وخير شاهد على ذلك التحسن الكبير غير المسبوق في العلاقات الأميركية الكورية الشمالية بعد مشادات كلامية وتصريحات عبر وسائل الإعلام أقل مايمكن وصفها بالمتهورة بين القائدين كادت أن تشعل فتيل الحرب إلا أن كيم جونغ أون في نهاية المطاف جلس على طاولة التفاوض أمام ترمب! بالرغم من ذلك إلا أن الحالة الكورية تختلف عن المواجهة مع نظام الملالي؛ وذلك يعود للتأثير والنفوذ الكبير للصين على صناعة القرار داخل قيادة كوريا الشمالية، أما نظام الملالي فلا يوجد قيادة متعقلة تملك الوصاية على قراره، فهل يدرك ترمب هذا الاختلاف!؟ لطالما كانت العقوبات السلاح الأول والأكثر فعالية في حقيبة الإدارة الأميركية كما يعتقد ترمب، لذلك أعلن هذا الأسبوع - نتيجة لإسقاط طائرة درون- عن عقوبات جديدة وغير مسبوقة تستهدف وتجرّم المرشد الأعلى علي خامنئي ومكتبه ومن هم في دائرته المالية وكبار الشخصيات العسكرية من الوصول إلى أي أصول مالية لديهم تقع تحت سلطة الولاياتالمتحدة!! فهل ستحقق هذه العقوبات الهدف منها وهو عودة الملالي إلى طاولة المفاوضات؟ في هذا السياق يقول سفير إيران لدى الأممالمتحدة: «إن المحادثات مع الولاياتالمتحدة مستحيلة بعد عقوبات ترمب الأخيرة على المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي» بالإضافة إلى الموقف الروسي المندد بالعقوبات على المرشد الأعلى ووصفها بغير القانونية! العقوبات الأمريكية أثبتت فعاليتها في ميادين كثيرة مثل حالة روسيا وأوكرانيا، كذلك كوريا الشمالية؛ إلا أن هذه الأداة لم تثبت فعاليتها في تفكيك الحالة الإيرانية وتغيير مواقفها المتصلبة! فبحسب تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن الولاياتالمتحدة قد فرضت بالفعل تدابير عقابية على أكثر من 80 % من الاقتصاد الإيراني قبل حادثة الطائرة، والعقوبات الأخيرة على ثروة المرشد التي تقدرها واشنطن بوست بمئتي مليار دولار لن يكون الوصول لها بالأمر الهيّن؛ نظراً لتقييد القرار بما يقع تحت صلاحيات الولاياتالمتحدةالأمريكية.! حادثة إسقاط طائرة «غلوبال هاوك» التي تعد من أحدث طائرات التجسس في العالم يعد تحولًا كبيرًا في استراتيجية المواجهة بين طهرانوواشنطن، التي انتقلت من مرحلة التهديد الكلامي، إلى التهديد العسكري، ومن حالة الدفاع إلى استراتيجية الهجوم الدفاعي، تحول ليس بغريب على من يدرك تصلب وتقوقع عقلية الملالي التي لاتعي مصالح شعبها ولاتدرك أهمية الانسجام مع منظومة العمل الدولية لتحقيق السلام!